شبكات التواصل الاجتماعي، شأنها شأن أي وسيلة علمية تكتشف، تتحول إلى سلاح ذي حدين في أي وقت وظرف، فالعلماء والباحثون لا يعصرون عقولهم من أجل تدمير البشرية والعلاقات المجتمعية وإنما من أجل رفاهيتها وتقوية النسيج الاجتماعي بين أفراد المجتمعات من خلال الاستعانة بتلك الأدوات، مثل شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن مهما تكن الدوافع حسنة والأهداف نبيلة، فإن هذه الابتكارات عادة ما يكون لها وجه آخر سلبي وخطر، فهي بحق سلاح للبناء وللتدمير أيضا، لكن ذلك يتوقف على من يحمله بيده وكيفية استخدامه والهدف من وراء هذا الاستخدام، فكثيرة هي المبتكرات العلمية ذات الفوائد الايجابية الجمة التي خدمت البشرية من خلال استخدامها الاستخدام الإيجابي والمفيد، وكثيرة هي تلك المبتكرات أيضا التي أسهمت في تدمير المجتمعات عندما استخدمت كمعول هدم، كما يحصل الآن لمجتمعنا بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي. حين يتصفح المرء هذه المواقع وما يدور فيها من ملاسنات قبيحة واستخدام وقح لمفردات اللغة في نعت الآخرين، فإن المرء يضربه الغثيان ويصاب بالذهول أيضا، بل يكاد لا يصدق أن من بين أبناء البحرين من يسمح لنفسه باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي لتمزيق نسيج شعبه وتخريب وطنه، فكثيرة هي الأسماء المستعارة التي تصول وتجول في أروقة مواقع التواصل الاجتماعي تبث السموم الخطرة التي أسهمت بقسط كبير في إزالة الرماد من فوق الجمر الطائفي وساعدت على تسخين موقد الفتنة الطائفية التي باتت تهدد نسيجنا الوطني. المتخفون وراء الأسماء المستعارة ربما لا يشكلون ذلك الخطر الكبير إذ بإمكان شخص واحد أن يتقمص أسماء عدة ويتبادل مختلف أصناف الشتائم والنعوت على أنها تدور بين أفراد ينتمون إلى مذاهب مختلفة، ومع ذلك يجب عدم التقليل من الخطر الذي يحمله هؤلاء المتخفون وراء الأسماء المستعارة، إلا أن الطامة الكبرى تكمن فيمن يجاهر باسمه ويوجه الألفاظ والشتائم نفسها ويتبناها من خلال صفحته على مواقع (الفيسبوك) أو (تويتر) أو غيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت بحق ساحة من ساحات التقاذف الطائفي الذي يميز اللغة المجتمعية في هذه الأيام، هؤلاء المجاهرون بشتائمهم وبخطاباتهم الطائفية يشكلون الخطر الأكبر على نسيجنا الوطني. ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع في ظل القفزة العلمية الهائلة في عالم الاتصالات، فإن هذه المواقع يفترض أن تكون وسيلة من وسائل الحوار المجتمعي الخلاق الهادف وأداة من أدوات تعزيز اللحمة الوطنية بين مختلف مكونات المجتمع وليس العكس، خاصة في ظروف كالتي تمر بها البحرين حيث يحاول المخلصون من أبناء هذا الوطن سبر مختلف الطرق للعمل على وقف النزيف الذي تعانيه العلاقات بين مكونات هذا الشعب كي يتمكن من تجاوز تداعيات الأحداث الأخيرة والتفرغ لمواصلة تطوير مشروعه الوطني. ما يحدث هو العكس تماما، فقد تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى واحدة من أدوات الهدم الخطرة حين أسيء استخدامها من قبل البعض بعيدا كل البعد عن الغرض والهدف اللذين تم ابتكارها من أجلهما، فما تعج به مواقع التواصل الاجتماعي من ألفاظ وما تستخدم فيها من عبارات يندى لها الجبين وتصيب المرء بحالة من الاشمئزاز والسخط، فمن المعيب أن ننشر غسيلنا على حبال العالم، فما يدور من تقاذف طائفي وشتائم ونعوت بذيئة وقبيحة لم يعد محيطها الجغرافي حدود بلادنا، بل حدودها هو العالم بأسره. من يقودون هذه الحرب الطائفية (الإنترنتية) على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، إنما يسيئون، قبل كل شيء آخر، إلى سمعة وطنهم وشعبهم، أكثر من إساءتهم إلى من يختلف معهم في العقيدة أو المذهب أو المواقف السياسية، فالعالم كله يقرأ مفردات الحرب الطائفية هذه وبالتالي فإن مديريها يقدمون صورة سيئة لمجتمعنا أمام الآخرين، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر والخطر، فإن هذه الحرب تتسبب في تدمير الوحدة الوطنية وتمزيق النسيج الوطني خاصة أن جيل الشباب والصغار أيضا، هم أكثر المترددين على هذه الصفحات وبالتالي هم الأكثر عرضة للتأثر بسموم مفردات الخطاب البذيء الذي يستخدم في إدارة تلك الحرب. شيء محزن جدا أن نجد بيننا من يعمل على تدمير مستقبل هذا الشعب وتفتيت أواصر العلاقات المجتمعية المتينة التي تعززت على مدى عقود من التعايش المشترك والتفاخر بسمات التسامح والألفة والمحبة التي ميزت علاقات أبناء البحرين وباتت تمثل جواز سفر البحرينيين للدخول إلى قلوب الآخرين. في مواجهة هذه الهجمة الشرسة التي يتعرض لها نسيجنا الوطني، فإن المخلصين من أبناء البحرين يتحملون مسئولية التصدي لها من خلال تعزيز لغة الحوار الحضاري عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليعرف العالم كله أن الغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب يأبون القبول بتدمير وتمزيق نسيجهم الوطني. المصدر: أخبار الخليج 8/8/2011