في المجتمعات التي تتصف بالتعددية الفكرية والسياسية والثقافية وغير ذلك، عادة ما تدور فيها عجلة الحراك وتعطي خلال دورانها نتائج مختلفة القيمة والمردود بين شعب وآخر بحسب إيمان وقناعة مختلف مكوناته بهذا التعدد كونه سمة من السمات الإيجابية التي تساعد المجتمعات على التطور وديمومة العطاء والانتقال من مرحلة متطورة إلى أخرى أكثر تطورا، فأي حراك يسير في هذا الاتجاه إنما يمثل الروح الحقيقية التي تغذي المجتمعات بالطاقة التي تساعدها على تطوير ذاتها ومشاريعها المختلفة، شرط أن تحسن هذه المجتمعات الاستفادة من سمات التعدد وتوجيهها في الاتجاه الذي يعزز الوحدة الوطنية من دون أن يلغي التمايز بين مكونات الشعب الواحد. من دون مثل هذا التوجيه وهذا الاستغلال الايجابي للتعدد فإنه سيتحول إلى عامل سلبي يؤثر في النسيج المجتمعي ويؤدي إلى إضعاف حركة المجتمع وتفكيك العلاقات المجتمعية التي تستند إلى أرضية وطنية تجمع مكونات المجتمع كافة بغض النظر عن اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية والمذهبية، فإذا ما انحرفت الممارسة في إطار التعددية عن السلوك الإيجابي فإن من شأن ذلك ان يحولها إلى عقبة كأداء تشل حركة المجتمع وتمنعه من التطور ومسايرة المجتمعات الأخرى التي قد تجمعها معه صفات التعددية نفسها مع الاختلاف في كيفية الاستفادة من هذه السمة. ففي مجتمعات التعددية لا غرابة على الإطلاق أن يكون هناك جدال ومماحكات سياسية وثقافية واجتماعية حول مختلف القضايا التي تهم أبناء المجتمع من مختلف المكونات، فمثل هذه الممارسات تعد صفة ملازمة للتعددية، بل لا يمكن القول بوجود تعددية إيجابية في أي مجتمع ما لم يصاحبها مثل هذا الجدل وهذه المماحكة، وبالتالي فإن دخول مختلف مكونات المجتمع في جدال ونقاشات حول قضية من القضايا، مهما كانت هذه النقاشات حادة أو قاسية، فإن ذلك يجب ألا يثير أي جزع أو خوف من تصدع المجتمع أو تفككه، خاصة إذا ما كانت القضية محل الجدل والنقاش بحجم قضية الحوار الوطني الذي دعا إليه جلالة الملك والمقرر أن ينطلق في الأول من الشهر القادم. سوف نشهد جدالا واسعا ومتنوع الآراء والأفكار حول هذه القضية باعتبار أن مجتمع البحرين يعد من المجتمعات التعددية، فكريا وسياسيا ودينيا ومذهبيا، فلكل من مكونات هذا المجتمع الصغير رؤيته وقراءته لظروف المرحلة التي نمر بها حاليا خاصة بعد الأحداث الأليمة التي وقعت في بلادنا، بل سنرى تضاربا في المواقف من آلية بدء وإطلاق الحوار، وهي أمور بديهية جدا طالما أن الدعوة الملكية تشرك جميع مكونات هذا المجتمع في الحوار وأن كل هذه المكونات رحبت بالحوار وإن اختلفت في مفهومها ومطلبها لطبيعة المناخ والأجواء التي يجب توافرها لإنجاحه. مثل هذه المواقف والآراء المتباينة حول هذه القضية لا يمكن أن تهدد السمة الإيجابية للتعددية التي تميز شعب البحرين والتي لا يمكن لأي مواطن مخلص لوطنه إلا أن يسعى إلى تعزيزها والحفاظ عليها في إطار احترام خصوصية كل مكون ومعتقداته وقناعاته الدينية والفكرية والمذهبية، ولكن إذا ما تعرضت هذه القناعات لأي شكل من أشكال الإقصاء والقدح والتشهير فإن ذلك لن يضر بسمة التعددية المجتمعية فقط وإنما من شأنه أن يهدد التماسك المجتمعي ويضع حزما من العصي في دولاب الحوار الوطني الذي يجمع الكل على أنه الخيار الأمثل والأنجع لتطوير مشروعنا الإصلاحي الذي يحظى باحترام وتقدير مختلف دول وشعوب العالم. نقول اننا بحاجة اليوم - ونحن على عتبات انطلاق قاطرة الحوار الوطني - إلى أن نعزز السمة الإيجابية للتعددية الفكرية والدينية والمذهبية وأن يحترم كل مكون من مكونات المجتمع البحريني هذا التعدد كونه يمثل القاعدة القوية التي ترتكز عليها بلادنا، لهذا فإن من واجب كل مخلص لهذا الوطن وحريص على أن يدفع بقاطرته نحو المزيد من النجاحات والتطور على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، أن يعمل على تعضيد اللحمة الوطنية ونبذ كل صوت من شأنه أن يفسد التحضيرات الجارية لانطلاق سفينة الحوار الوطني. فتصاعد النعرات الطائفية خاصة في الآونة الأخيرة يمثل أخطر تهديد للتعددية الإيجابية التي يتصف بها مجتمعنا البحريني ومن شأن استفحالها أن يؤثر سلبا في مستقبلنا جميعا وفي مسيرة سفينتنا الوطنية، فالأيدي العابثة بمصير هذا الوطن ووحدة شعبه تسخر وسائل الاتصالات الحديثة خاصة شبكات التواصل الاجتماعي لضرب وتخريب النسيج الوطني والتعددية الإيجابية لشعب البحرين من خلال إحداث معارك وهمية بين طوائف ومكونات الشعب البحريني، الأمر الذي يحتم الانتباه جيدا لهذه النيات الخبيثة والتسلح بالوعي الوطني لدرء الأخطار التي تحملها هذه الممارسات. المصدر: اخبار الخليج 15/6/2011