مما لا يختلف عليه كل من يتابعون الشأن السوداني ان كل التداعيات الماثلة حالياً من تأزيم دولي تقوده الأممالمتحدة بدفع من الولاياتالمتحدة، وما وقع من تمرد فعلي فى جنوب كردفان وأوجد وضعاً مأساوياً لفت الأنظار الدولية، وما يترامي الى الأسماع من قعقعة للسلاح حالياً فى ولاية النيل الازرق، كل هذه الخيوط المتشابكة ليست سوي انعكاس للاجتماعات المكشوفة مظهراً وخفيَّة باطناً التى جرت بين كل من مالك عقار وياسر عرمان والمتمرد الحلو ومسئولين كبار فى إدارة الرئيس أوباما، من النادر ان يجلسوا لمسئولين أجانب – بالمستوي المتواضع لقادة الحركة الثلاثة – فى الفترة التى تلت الإعلان رسمياً عن نتيجة استفتاء جنوب السودان ويوم تدشين جمهورية الجنوب رسمياً فى يوليو المنصرم . و يمكن إيجاز الخطة ببساطة شديدة فى أن يتم تهييج مناطق البؤر الساخنة فى أبيى وجنوب كردفان ودارفور بحيث يصل التهييج المدى المناسب للتدخل من جانب الأممالمتحدة تحت البند السابع ، ومن ثم تجري عملية شدّ الأطراف وإحكام الحبل على السلطة المركزية. هذه الصورة تبدو الآن شديدة الوضوح ، بل يمكن الجزم ان واضعو الخطة أرادوا لها هذا اللعب المكشوف لفرط استسهالهم لها من جهة، ولأن نشوء دولة الجنوب الوليدة يوفر لهم عمقاً استراتيجياً من جهة أخري . وفى هذا الصدد يمكن ان نفهم – بكل سهولة – السبب وراء الاتصال الهاتفي الذى أُفتضِحَ أمره مؤخراً بين ياسر عرمان والدكتور خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة الدرافورية المتمردة والذي ناقش الأوضاع السياسية وكيفية إجراء تنسيق بين الأطراف المختلفة بحيث يعمل البعض من الداخل، والبعض الآخر يستخدم السلاح من الخارج. ولا نغالي ان قلنا ان تحرك الفريق دانيال كودي الأخير، هو بصورة أو بأخرى لا ينفصل عن مجمل المخطط ،لأن المخطط فى النهاية هو لعبة تقسيم ادوار ، رأينا بوادرها فى موقف مالك عقار عقب تمرد الحلو، ومن ثم تأرجح مواقفه من النقيض الى النقيض كبندول الساعة دون أسباب موضوعية واضحة. المشكلة فيما يتعلق بهذا المخطط ليس فى ملامحه وأهدافه وطريقة تنفيذه ولكن فى غياب ما يمكن ان نسميه الغطاء الشعبي الكافي لهذا العمل ، فالنبض الشعبي فى بلد كالسودان بتنوعه وموروثاته وثقافته يبدو بعيداً جداً بملايين السنوات الضوئية عن فرضيات مثل علمانية الدولة، والانتصار للهامش على حساب المركز او الدخول فى فوضي خلاقة، أو محاولة إهالة التراب على الواقع الثقافي والهوية الإنسانية للسودانيين، فالمعضلة هنا تتمثل فى كيفية جرّ حوالي عشرين مليون سوداني الى برنامج لا يتسق مع موروثاتهم وتقاليدهم تقف خلفه قوي خارجية ويقوده فى الداخل قادة ليسوا فى مصاف القادة الذين يحوزون احتراماً شعبياً حتى داخل فصائلهم وإذا جري اتخاذ العنف وسيلة لإنفاذ هذا البرنامج، فان الخطوة الطبيعية التى سوف تنتج عن ذلك هو أن يثور السودانيون هذه المرة ضد ما هو قادم بأكثر ما يثوروا على ما هو قائم، ولمن لم يقرأ الشفرة السودانية جيداً ان ينتظر ليري !