ورغم محاولات قوى الضغط الدولية لاستمرار بعثة الأممالمتحدة في شمال السودان بحجة مراقبة الوضع في المناطق الثلاث، الا أن تمسك الحكومة بموقفها لم يترك لليونميس خياراً غير حزم أمتعة الرحيل لتتجه من حيث أتت جنوباً، حيث وافقت الدولة الجديدة على نشر القوات الدولية فوق أراضيها. وكانت قوات اليونميس قد رضخت بالفعل للقرار الحكومي القاضي بانهاء شرعية وجودها بالسودان، وشرعيت في وضع الخطط الأولية لسحب قواتها وموظفيها في انتظار صدور القرار النهائي بانتهاء التفويض من المنظمة الدولية، وهو ما رحبت به الحكومة مؤكدة التزامها بتسهيل عملية سحب البعثة وتقديم كافة أنواع الدعم الممكن لإجلاء القوات ونقل المعدات وتقديم التسهيلات اللوجستية والإدارية المتفق عليها بين الحكومة والأممالمتحدة. ومن البديهي أن يكون خروج أو رحيل قوات اليونميس من شمال السودان بصورة منظمة، متناسباً مع السمعة الكبيرة للمنطقة الدولية والتي تعتبر مثل هذه البعثات واجهة تعبر عن مبادئ الأممالمتحدة وانحيازها للشعوب التي تمثلها .. لكن واقع الحال في أربعة من مقرات اليونميس التي بولاية جنوب كردفان وحدها، قد تشير إلى ما يخالف المبادئ التي تحدثنا عنها مسبقاً، بل هذه القوات مارست ما يمكن أن نصفه بأقصى درجات الفوضى والعشوائية في عملية الخروج واخلاء أماكنها وكأنما انطلق عليها المثل العامي ((المفارق عينو قوية)) .. أول ما يتبادر الى ذهن من يزور مقرات اليونميس أثناء وبعد إخلائها أن ما تم فيها ((عملية تشليع)) او قد تتخيلها محاولة تخريب منطقة لولا وجود بقية من ذوي القبعات الزرقاء يقومون بتنفيذ آخر المهام الموكلة وكأنما انطلقت عليهم الآية ((يخربون بيوتهم بأيديهم))، فما تم لا يمكن أن يكون عملية انسحاب لبعثة محترمة لها قواعد إدارية في كيفية تصفية ما لديها من أصول. خلال جولتنا وجدنا الأثاثات الفاخرة والأدوات المكتبية بما فيها من ترابيز وكراسي ودواليب مختلفة، وقد قذف بها في العراء لتترك للأمطار والأوحال التي أتلفت بالفعل بعضها مع بدء فصل الخريففي جنوب كردفان، وفوق ذلك فقد وضعت الدواليب وبها الملفات التي هي على قدر عال من السرية. وتدرك البعثة جيداً من خلال وجودها الذي امتد بطول الفترة الانتقالية جاست فيها خلال الديار طولاً وعرضاً، أن عشرات المدارس وبعضها على مرمي حجر منها، يفترش تلاميذها الأرض ولا يجدون ما يجلسون عليه، كما أن المستشفيات تفتقر للأسرة التي ينام عليها من أصابهم المرض وغير ذلك من المؤسسات التي تخدم الجمهور المحلي لا تجد الدواليب التي تحفظ فيها ملفاتهم .. رغم الظروف التي ذكرناها، إلا أن اليونميس لم تتصرف كمؤسسة محترمة يمكن أن تترك ما لا تحتاجه للمجتمع الذي تدعي أنها عملت فيه ومن أجله ولو من باب الذكري ((المنسية)) .. بل أنها تركت كل شيء واهتمت بفك المباني المركبة، رغم أن ما نعرفه أن الأممالمتحدة لا تقوم باستخدام ما استخدمته من معدات مرة أخرى في مهام أخري. اليونميس ضنت على المجتمعات المحلية بما تركته خلفها وفضلت أن تتركه في العراء لتلوث به البيئة بدلاً من حرقه أو معالجته، وغير بعيد عن كل ذلك فان القوات الأثيوبية التي ستذهب إلى أبيي انتشرت خارج مباني الأممالمتحدة على بعد أمتار دون معينات كافية لتواجه الأمطار والأعاصير، وكأنها لا تستحق ما قذفت به يونميس في العراء. نقلاً عن صحيفة آخر لحظة 15/8/2011م