خلافا لكثير من التوقعات باتساع الشقة بين السودان ويوغندا بعد انفصال الجنوب، على إثر تذبذب العلاقات بين البلدين خلال فترات سابقة، يبدو أن تلك العلاقات تمضي باتجاه تقوية الصلات والانتقال إلى مسارات جديدة لجهة خدمة المصالح المشتركة. ذلك ما جسده الاتفاق الأخير بين الجانبين على قيام تعاون ثلاثي بين السودان ويوغندا ودولة جنوب السودان الوليدة، في مجالات تطوير البنيات الأساسية والطرق والجوانب الأمنية وغيرها من المجالات، ورحبت الحكومة اليوغندية خلال اجتماعات اللجنة الوزارية، بطلب السودان الانضمام لعضوية مجموعة شرق أفريقيا. وبحث اجتماع اللجنة الفنية المشتركة مسار العلاقات بين البلدين والعقبات التي تعترض تطويرها، واعتبر الجانبان، خلال اجتماعات اللجنة الفنية السودانية الأوغندية، التي انعقدت في العاصمة كمبالا في الثاني عشر من أغسطس الحالي، على أن استقرار الدولة الوليدة في الجنوب أمر حيوي ومهم للعلاقات بين البلدين، وتواثقا على أن الحركات الدارفورية المسلحة الرافضة الالتحاق باتفاق الدوحة، تعتبر عناصر سلبية تهدد الأمن والاستقرار في كل الإقليم، شأنها في ذلك شأن جيش الرب المتمرد علي الحكومة اليوغندية، وشددا على أنه يجب التعامل مع هذه الحركات في إطار البروتوكولات والاتفاقيات الموقعة بين دول الإقليم التي تحرم دعم ومساندة الحركات المتمردة. وأبلغت الحكومة اليوغندية، نظيرتها السودانية بالتزامها بعدم تقديم أي دعم للحركات المسلحة الدارفورية الرافضة الانضمام للعملية السلمية، وأعلن وكيل وزارة الخارجية السفير رحمة الله محمد عثمان، الذي قاد وفد السودان إلى الاجتماعات عن اتفاق على إنشاء لجنة للتشاور السياسي بين وزارتي الخارجية بين البلدين، على أن تعقد أول اجتماعاتها بالخرطوم، بجانب عقد اجتماع للجنة الوزارية المشتركة بين البلدين في مارس المقبل بكمبالا. ويعتبر محللون اجتماعات اللجنة الفنية وما خرجت به من اتفاقات، خطوة مهمة باتجاه تطوير علاقات الخرطوم وكمبالا التي لازمتها حالة من التأزم تأرجحت خلال العقود الأخيرة الماضية قبل أن تعود إلى المسار الصحيح مجددا، وظلت المعارضات المسلحة في كل من البلدين أكبر خميرة عكننة للعلاقات خلال تلك العقود، وقد عانت يوغندا وإلى وقت قريب من عربدة جيش الرب المعارض لحكومة الرئيس موسفيني في أنحاء من جنوب السودان ، وكان هذا الوجود لجيش الرب احد عناصر الأزمة التي اندلعت بين الجانبين منتصف التسعينات ولم يتسن تجاوزها إلا في نهاية التسعينات، حيث وقعت الخرطوم وكمبالا في العام 1999م، اتفاقا أمنيا يقضي بعدم دعم أي من الدولتين للمعارضة المسلحة للبلد الأخر، وبدأ الجانبان تبادل الدبلوماسيين في عام 2001، كما اتفق البلدان على مزيد من دعم العلاقات الثنائية بينهما. وعلى الرقم من ذلك الاتفاق إلا أن العلاقات ظلت متذبذبة لسنوات، وآخر توتر حاد شهدته علاقة البلدين كان العام الماضي، بعدما اتهمت يوغندا الخرطوم بدعم جيش الرب، ثم إعلانها عدم اعتزامها تقديم الدعوة للرئيس عمر البشير لحضور مؤتمر القمة الإفريقية بكمبالا، في يوليو العام الماضي قبل أن تتراجع عن قرارها ذلك، لتقول في بيان أصدرته وزارة خارجيتها إن الدعوة وجهت للبشير وتسلمتها السفارة السودانية بكمبالا وسلمتها للخرطوم. ويرى محللون أن يوغندا منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل في 2005م، أبدت سلوكاً واضحاً بالميل لجهة انفصال الجنوب، وذلك الميل جاء لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية. كما اتهمت الخرطوم من جانبها كمبالا بأنها ضالعة في إفساد العملية السلمية الجارية حول أزمة دارفور من خلال فتح مجالات تتيح للحركات المسلحة، ترتيب أوضاعها وتهيئة الأجواء لها بفتح معسكرات لتدريب لمنسوبيها، ولقطع دابر تلك الاتهامات خاصة المتعلقة بدعم حركات دارفور، قام وزير الخارجية علي أحمد كرتي، بزيارة رسمية اعتبرت مهمة إلى يوغندا في أبريل الماضي، لتأكيد عزم الخرطوم في دفع علاقاتها مع كمبالا إلى مربع جديد تراعي فيه مصالح البلدين، وحمل كرتي رسالة من الرئيس عمر البشير، إلى نظيره اليوغندي يوري موسفني تعلقت بترقية وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين ودعم عملية السلام بين الشمال والجنوب في ذلك الحين، بجانب حل مشكلة دارفور، وتضمنت الرسالة تعهدات من البشير بخلق علاقات تعاون بين الدولتين وتسهيل حرية المواطنين والتجارة عبر تأسيس حدود مرنة بين الشمال والجنوب وذلك قبل انفصال الأخير، وطلبت الرسالة من موسفيني بذل جهوده في هذا الصدد ونصح حكومة الجنوب بالابتعاد عن إيواء ودعم الحركات المتمردة في دارفور، وفي رده على تلك الرسالة أكد الرئيس اليوغندي، بحسب الناطق باسم الخارجية السابق خالد موسى، حرصه على ترقية وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، وأعلن أن يوغندا لن تسمح بإيواء حركات دارفور أو تقديم أي وجه من وجوه الدعم والحماية لهم، وأطلق نداء لتلك الحركات المسلحة بمراعاة مصلحة أهالي دارفور في الانخراط في عمليات السلام، وقال "على هذه الحركات التوجه لمنابر التفاوض لوضع حد لمعاناة أهل دارفور وليس البحث عن مأوى لهم في الخارج". وتأتي الخطوة بتطوير العلاقات بين الخرطوم ويوغندا في إطار سياسة إستراتيجية اختطتها الحكومة بالانفتاح على كافة دول الجوار والإقليم الأفريقي، وهو انفتاح بحسب مستشار رئيس الجمهورية الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل في حوار سابق مع "الرائد"، يأتي ضمن إستراتيجية انتهجتها حكومة السودان، وقال د. مصطفى "هذا جزء من الإستراتيجية التي كنا وضعناها لتحديد توجه السودان بعد التاسع من يوليو وانفصال الجنوب، بالانفتاح مع دول الجوار والإقليم كلها بما فيها دولة جنوب السودان". وبالعودة إلى مدارج التاريخ، فإن العلاقة مع يوغندا تكتسب أهميتها من عدة نواح سياسية واقتصادية وأمنية، وقد بدأت هذه العلاقات بين البلدين منذ وقت مبكر حيث سبق السودان يوغندا في نيل استقلاله من المستعمر البريطاني في يناير 1956م، بينما تحللت يوغندا من ذلك الاستعمار في اكتو بر 1961 أي بعد حوالي خمسة أعوام من استقلال السودان، وتأسست العلاقات السودانية اليوغندية، في عهد الرئيس إبراهيم عبود "1958- 1964 "، الذي كان أول من قام بمد يده إلى أول رئيس ليوغندا وهو ميلتون أبوتي، وقد عاون يوغندا وقتها بجهد ومثابرة دائبين للانضمام إلي منظمة الوحدة الإفريقية "الإتحاد الإفريقي حاليا"، كما أن فترة الرئيس اليوغندي، عيدي أمين، التي امتدت من 1971م وحتى العام 1979 شهدت توقيع اتفاق سلام أديس أبابا الذي وقعه الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري مع متمردي جنوب السودان في الثالث من مارس عام 1972م. وعلى اثر ذلك كله تأتي أهمية الاتفاق الذي توصلت إليه اللجنة الفنية المشتركة بين البلدين في كمبالا مؤخرا، حول توثيق عرى العلاقات وإزالة العقبات التي تعترض تطويرها، والتأكيد على أن استقرار الدولة الوليدة في الجنوب أمر حيوي ومهم للعلاقات بين البلدين، بجانب اعتبارهما أن حركات دارفور المسلحة الرافضة الالتحاق باتفاق الدوحة، عناصر سلبية تهدد الأمن والاستقرار في كل الإقليم، شأنها في ذلك شأن جيش الرب وأنه يجب التعامل مع هذه الحركات في إطار البروتوكولات والاتفاقيات الموقعة بين دول الإقليم التي تحرم دعم ومساندة الحركات المتمردة. نقلا عن صحيفة الرائد بتاريخ :17/8/2011