ما من شك ان حضور والي النيل الازرق مالك عقار بصحبة الرئيس الإثيوبي زناوي الى الخرطوم عشية الأحد الماضي فى ظل مبادرة جاء يحملها زناوي ووجدت ترحيباً من الخرطوم وإن لم يكشف عن ملامحها الرئيسية ،هى بالتأكيد بمثابة مبادرة من الحركة الشعبية بشمال السودان وحل لأزمتها المعقدة التى عمل على تعقيدها الى هذا الحد المتمرد الحلو بتمرده غير المحسوب جيداً فى السادس من يونيو حزيران الماضي . من المؤكد ان عقار سعي لهذه المبادرة بعد ان استشعر انسداد الأفق السياسي فى حركته واستحالة استرداد الوضع السابق لحركته واستحالة العودة الى اتفاق أديس أبابا الإطاري . وفى هذا الصدد أشارت مصادر مطلعة ل(سودان سفاري) فى العاصمة السودانية الخرطوم أنه لا صحة على الإطلاق لما يرتدد حول ان المبادرة الإثيوبية هى فى حقيقتها اتفاق أديس الإطاري ؛ فالمبادرة بداهة ما كانت تلقي الترحيب السوداني – من أول وهلة – لو كانت هى نسخة أخري من اتفاق أديس وعلى ذلك فان أول ما يُستفاد من المبادرة أنها (تجاوز علني) لاتفاق أديس وانتقال من ذلك المربع الى مربع جديد . من جانب ثانٍ، فان المبادرة حتى دون الدخول فى خطوطها العامة او تفاصيلها تعني فى حد ذاتها ان الحركة الشعبية فى الشمال فى حاجة ماسة وسريعة لمعالجة الوضع الذى أحدثته، فهي تعلم ان ما جري فى جنوب كردفان خطأ استراتجي كبير وأنها مخطئة مائة بالمائة فيه ومن شأن إصرارها على موقفها هذا ان يستعيد مناخ الحرب، وهى حرب خاسرة دون أدني شك بالنسبة لها لأن الحركة الأم نفسها لم تدعي او تزعم حتى الآن ان ما حصلت عليه جاء نتاج حرب، فهي نتاج تفاوض مضنٍ. الحركة الشعبية فى الشمال ايضاً تستشعر مخاطر خلط الأوراق بفتحها الطريق لحركات دارفور المسلحة فى جنوب كردفان، فالأزمتين منفصلتين ولا رابط بينهما، والحركات الدارفورية المسلحة ليس لديها أية أسباب موضوعية فى حمل السلاح حتى الآن فى ظل اتفاق السلام الموقع فى الدوحة فى الشهر الماضي إضافة الى ان الحركات الدارفورية المسلحة فى دارفور لم تعد بذات القدرات والبريق السابق بعدما خسرت قواعدها التى كانت تنطلق منها في تشاد وليبيا وربما تجد الآن صعوبة فى الانطلاق من الجنوب أو يوغندا نظراً للطريق الطويل الشاق وخطوط الإمداد البعيدة . من جانب ثالث فان الخلط الذى أحدثه القرار 2003 بتفويض خليط من اليوناميد واليوناميس تحت الفصل السابع يؤثر على موقف الحركة الشعبية فى الولايتين ويسحب تماماً القدر المتاح للحركة من الرصيد الجماهيري كما حدث بالنسبة للحركات الدارفورية المسلحة، وربما أعادت الحركة حساب حساباتها بشيء من الهدوء وتوصلت الى هذه النتيجة . و أخيراً فان عقار على وجه الخصوص يتخوف من اى مواجهة مع الحكومة المركزية فى الخرطوم لأنه لا يملك عمقاً استراتيجياً يتيح له مواجهة مطولة مع الخرطوم فإثيوبيا لن تسمح له بانطلاق منها لأسباب إستراتيجية وأمنية مع الخرطوم، كما ان جمهورية جنوب السودان هى الاخري لن تغامر بأن تصبح قاعدة انطلاق لعقار، فهي مرتبطة مع إثيوبيا والسودان بحل نزاع أبيي ومن شأن دعمها لعقار ان يفقدها اى مزايا فى حل نزاع أبيي بما يحقق لها ما تريده، وهكذا، فان المنطق السياسي والمعطيات فرضت على عقار البحث عن مخرج على يد إثيوبيا .