تحليل سياسي كعادتها ومع مرور أكثر من ثلاثة أيام على أحداث النيل الازرق- رغم وضوح كل شيء كما الشمس الساطعة فى رابعة النهار- إلاّ ان من تطلق على نفسها قوي جوبا تارة ، وقوي الإجماع الوطني تارة أخري لم تأنس فى نفسها لا الشجاعة الكافية فى إدانة الحدث ورفض التعامل بالبندقية مع إمكانية الحوار السلمي؛ ولا الشجاعة فى تأييد الحدث بحيث تتحمل عبء موقفها إذا كانت مؤمنة به. وما من شك ان احدي أهم أسباب امتلاء فم قوي جوبا بالماء إزاء حدث يستحيل على اى قوي وطنية تحترم نفسها الوقوف حياله على الحياد هو ان الحركة الشعبية واحدة من مكونات هذه القوى، ومن ثم فان (الحرج السياسي) بلغ بهذه القوى السياسية مبلغه وجعلها (غائبة) وطنياً. غير أن هذا الموقف على بؤسه وتعاسته ربما بدا مبرراً لقوي سياسية بلغ بها الضعف درجة الإخفاق فى صناديق الانتخابات (ابريل2010) رغم توفر كافة المعينات اللازمة وتوفر اشتراطاتها القانونية من حيث النزاهة والرقابة المحلية والإقليمية والدولية المكثفة . كما ان هذا الموقف على تعاسته مفهوم ومبرر إزاء قبول هذه القوى السياسية ان تصبح مطية للحركة الشعبية - لعدة سنوات - تناور بها فى وجه الحزب الوطني فتحقق للحركة الشعبية وقتها العديد من المكاسب (مجاناً) وهى تمد رجليها ممتطية ظهر هذه القوى. ولكن ما يصعب الآن قبوله حيال الموقف الضبابي الضعيف لهذه القوى هو ان (ما تبقي من الحركة الشعبية) فى شمال السودان عقب انفصال جنوب السودان ليس له من وزن سياسي يجعل هذه القوى (تهاب) إتخاذ الموقف الصحيح. و من المؤكد أن القيادي ياسر عرمان الشديد الإدراك والإلمام بشفرة هذه القوى استطاع ان يقيِّد لسانها ويعقده تماماً حين سارع بإصدار بيان قطع فيه الطريق عليها لتقف موقفاً - ولو للمرة الأولي - يعبر عنها بحق . عرمان كعادته صب زيتاً ساخناً على الزيت المشتعل ولا غرابة فى ذلك لأن الرجل ليس لديه ما يخسره لأن أقصي ما بوسعه و ما يأمل فيه هو ان يوسع من دائرة الفتنة ومن نطاق التناقضات فى المشهد السياسي للسودان بأسره . ان أزمة القوي السياسية السودانية لا تقف فقط عند هذا الهوان والإذلال السياسي ، ففي النهاية فان سطور التاريخ لن تجامل هذه القوى كونها رضيت بهذا القدر من الدنية السياسية فى مواقفها ، ولكن يبدو حجم الكارثة أكثر فداحة إذا كانت هذه القوى السياسي تعتبر حمل اى معارض للسلاح وترويع الآمنين ونسف الاستقرار عمل مشروع؛ فيما تصدي السلطة الحاكمة لمثل هذه الأعمال ودفاعها عن بيضة الاستقرار الوطني هو حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان واستهدفاً للمدنيين. تحتاج القوى السياسية السودانية ان كانت لا تزال تطمح فى المستقبل لإعادة نظر فى استراتيجياتها وأطروحاتها ومواقفها بالتوافق مع المصالح الوطنية الحقيقية لشعب السودان وإن لم تفعل فان المصير لن يقف فى حدود خروجها من الملعب السياسي تماماً، فهذا قد حدث، ولكن الخشية كل الخشية من ان تصبح عدواً فى ثياب صديق للسودان !