* لم تكن محض صدفة أن يتزامن هجوم قوات الجيش الشعبي على قرية ((مرونج)) بمحلية كلوقي بولاية جنوب كردفان والهجوم الذي بادر به الجيش الشعبي في الدمازين على القوات المسلحة، لم يكن ذلك مصادفة فالأمر كما هو واضح تم تدبيره والترتيب له ليكون مباغتاً، والأمر كله يدخل في إطار مؤامرة كبرى تديرها دوائر دولية تطبق في خطط بديلة لإنجاح مشروع ((السودان الجديد)) الذي كان مخطط له أن يبدأ مع قدوم زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق في التاسع من يوليو 2005م ويقوم هذا المشروع على إقامة سودان ((علماني أفريقياني)) علي أنقاض السودان القديم الإسلامي العربي بعد أن يتم هدمه من الداخل بواسطة تحالف الحركة الشعبية مع القوى المعارضة بالداخل خاصة اليسارية منها والقضاء على السلطات القائمة وإحلالها بسلطة هذا التحالف ويكون رأس الرمح فيها الحركة الشعبية ويكون زعيمها ((قرنق)) هو الحاكم الجديد للسودان الجديد. ولما لم يكتب لهذا السيناريو ((الخطة أ)) أن يحدث بسبب الرحيل الدراماتيكي لجون قرنق، والذي ساهمت فيه قوى داخلية داخل الحركة الشعبية وأخرى خارجية، تلاقت واتفقت مصالحها على ذهاب قرنق وبالتالي ذهاب فكرته هذه معه إلى قبره، مما أدي إلى تعطيل المشروع وإرباك المخططين له بسبب ضعف القيادة الجديدة للحركة وانكفائها على تحقيق مشروع ((تمويل أصغر)) وهو مشروع إنشاء دولة الجنوب على أساس انفصال الإقليم وفقاً لبنود اتفاق السلام الشامل، وقد كانت هذه القيادة دوماً تظهر زهداً واضحاً في التورط في المشروع الكبير مشروع السودان الجديد، وأدي ذلك الفشل التام للخطة ((أ)). * ومع انهيار الخطة ((أ)) كان لابد من الاستدراك بالخطة ((ب)) وتقوم على إثارة الخلاف حول الأوضاع في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق، وذلك بدعم مستتر من نظام الحركة الشعبية في جمهورية جنوب السودان. والأهداف التي يراد تحقيقها من وراء إثارة وافتعال هذه التوترات بهاتين المنطقتين كثيرة، ولكن أكبرها وأولها هو العمل على قيادة جبهة عريضة مسلحة لإسقاط الحكومة على قرار الثورة الليبية وبالتنسيق مع القوى المدنية المعارضة في المركز. ومن ثم وبعد إسقاط الحكومة تكون الأمور قد دانت لهذه القوى في كل من دولة جنوب السودان وجمهورية السودان وتكون فرص تحقيق مشروع السودان الجديد قد تهيأت تماماً. وأن كان احتمال التئام الدولتين والعودة الى السودان الواحد أمر مستبعد، الا أن صيغة جديدة يمكن أن تستحدث للتعبير عن ((وحدة)) السودان على أساس اتحاد كونفدرالي يكون للحركة الشعبية فيه اليد العليا. * سيناريو آخر ثالث تخطط له القوى المعادية في حال فشل المخطط الثاني وهو العمل على دفع الأمور إلى حافة الانهيار في مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور من أجل تفتيت السودان الحالي واقتطاع ثلاث دويلات منه هي دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق أو دمج هذه المناطق لإنشاء دولة واحدة جديدة تدعم بصورة مباشرة من قبل جمهورية جنوب السودان لتصبح نواة الدولة السودانية القديمة مطوقة من أطرافها الجنوبية وأجزاء من شرقها بهذه الدولة أو الدول. ولما كان من العسير تحقيق هذا السيناريو بالقوة العسكرية المحضة فان هذه القوى التي تخطط لهذه المؤامرة ستعمل على استخدام القوة العسكرية كوسيلة ضغط أساسية لإجبار الحكومة السودانية على التفاوض ومن ثم إعادة إنتاج ((نيفاشا)) جديدة في هذه المناطق يكون حق تقرير المصير أهم بند من بنودها. لذلك على الحكومة أن تحزم أمرها على خيار أصبح هو الأوحد أمامها على الأقل في هذا الوقت، وهو العمل على ترجيح ميزان القوى ليكون لصالحها حتى اذا دخلت في أية مفاوضات لاحقاً تكون في وضع يجعلها لا تتأثر بأية ضغوط تمارس عليها بما يوصلها إلى اتفاق يشابه اتفاق نيفاشا سيء الذكر. والجلوس بارتياح في مائدة التفاوض لن يتحقق الا اذا كان وضعك في الميدان جيداً ، والمثل الانجليزي يقول: اذا كنت تريد تحقيق السلام فاستعد للحرب جيداً. نقلاً عن صحيفة آخر لحظة 6/9/2011م