لا يستطيع حزب المؤتمر الوطني إدارة أزمات البلاد المتفاقمة منفرداً بالحكم في ضوء زيادة اشتعال بؤر التوتر والنزاع وعباب العنف والتمرد البشع، وفي ضوء إشارات التهديد والوعيد الصادرة من الحركة الشعبية وابنها المنبوذ "قطاع الشمال" الذي تركته خلفها بعد الانفصال ليؤدي دوراً قذراً ويؤجج حرباً بالوكالة يمزق صحائف الوفاق الوطيد و يقض مضاجع الوطن الآمن. تجدد الاشتباك الشائك بين الجيش السوداني والحركة الشعبية في منطقة النيل الأزرق مؤخراً ينذر بخطر داهم وربما يؤدي إلي استحضار حرب أخرى أشد ضراوة من تلك التي دارت رحاها قبل تنفيذ اتفاقية السلام الشامل التي تم إبرامها بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية عام 2005. وتستوجب سياقات الأحداث المفجعة أن يتخذ المؤتمر الوطني خطوات جادة ومسؤولة لإدارة الأزمات بشكل شامل بدلاً من إستراتيجية إطفاء الحرائق بصب الزيت على النار الذي يزيدها ضراماً واشتعالا. وعوضاً عن إلقاء اللائمة على المتآمرين ومن يسير في ركابهم، أو من يركب موجاتهم العاتية. ولعل أهم الخطوات التي يتعين على المؤتمر الوطني اتخاذها هي أن يسعى بكل البل والوسائل الممكنة إلي تكوين حكومة ذات قاعدة عريضة جداً تضم كل الأحزاب الفاعلة للاصطفاف لمعالجة أزمات الوطن بعقلانية هادئة تقضي على مظاهر الانفراد بالرأي ، والتشنج في صناعة القرارات الحيوية التي تختص بالوطن واستقراره وتقدمه لقد سعى المؤتمر الوطني في أوقات سابقة لتشكيل حكومة سميت آنئذ ب "حكومة الوحدة الوطنية"حيث كانت أبعد ما تكون عن الوطنية لأنها ضمت أفراداً انسلخوا من أحزابهم الرئيسية طلباً إما للمجد أو الشهرة أوكليهما.ولم يكن في مقدورهم الخروج عن السياسات العامة التي يرسمها المؤتمر الوطني. وكانوا أشبه بالديكور الذي يضفي جمالاً زائفاً لحديقة الحكومة المليئة بالأشواك. الكلمات المفتاحية للخروج من الأزمات السرمدية التي يكابدها السودان هي: المصالحة الوطنية، الوفاق الوطني،الإجماع القومي، والحكومة الوطنية الحقيقية، لأن البلاد لا تعاني من أزمة واحدة بل من عدة أزمات مستفحلة وخانقة: أزمة دارفور، وأزمة الاقتصاد المتردي، والأزمات التي خرجت من رحم نيفاشا في جنوب كردفان وأبيي، وجنوب النيل الأزرق ، وأزمة التعاطي مع الحركة الشعبية، وجميعها تتضافر وتتحد لتشكل بعبعاً مخيفاً إما لتقسيم السودان وإما لنشوء حالات من الفوضى العارمة التي ربما تعصف بما تبقى من القطر الشاسع والشامخ في فضاء القارة السمراء. حقاً، يعيش السودان أتعس أيامه طراً ، ولا سبيل إلى الخروج من الأزمات الماثلة والقضاء على شرانق التمرد في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق إلا بالاصطفاف الوطني لسد الطريق أمام المتمردين ،والمتآمرين الذين ينشدون طيب الذكر بخبائث الأعمال. المصدر: الشرق 11/9/2011