تحليل سياسي قال المكتب القيادي لحزب الأمة القومي مطلع هذا الأسبوع أنه قرر عدم المشاركة فى حكومة القاعدة العريضة التى ظل يتفاوض حولها مع الوطني منذ أشهر إلا وفق ما يسميها (الأجندة الوطنية)! وقد يبدو للعديد من المراقبين- بالنظر الى هذا القرار- ان الحزب قد حسم الجدل المتطاول بشأن مشاركته من عدمها فى الحكومة قيد التشكيل، غير ان المراقبين اللصيقين بطريقة تفكير وتكتيكات الحزب وتجاربه السابقة يرفعون سقف التوقعات بحيث لا يستبعدون رجوع الحزب عن قراره فى أى لحظة - بأى تبرير كان - ولعل أكثر ما قد يعزز من هذه الفرضية ان الدكتور مصطفي عثمان مستشار الرئيس والممسك بملف الحوار مع الأمة القومي قال فى معرض تعليقه على قرار الحزب، ان الحزب تجاوز الاتفاق المبرم بينه وبين الوطني بأن يصدر( بيان مشترك) يحمل توقيع الطرفين بما قرره الأمة القومي توطئة لمناقشة لاحقة بين زعيميّ الجانبين المهدي والبشير. فهذا الاستباق فيه إشارة ،على ان الأمة القومي يستخدم تكتيك ضاغط تجاه الوطني ربما كان سببه التطور اللافت بشأن مشاركة الاتحادي بزعامة الميرغني بعدما توحدت بعض أجنحته فى الحكومة. فالاتحادي يؤكد مشاركته ويدعمها بطلب بدا كشرط وحيد وهو ان تكون المشاركة (بحجم و وزن الحزب) وهو أمر متروك لمساومات الطرفين لأن قضية الأوزان فى هذا التوقيت ليس لها معيار واضح بعد الانتخابات العامة التى جرت فى ابريل 2010 فلا الاتحادي يستطيع الرجوع لما وراء ابريل 2010، ولا الوطني يستطيع التخلي عن مشروعيته الانتخابية فى 2010. أغلب الظن ان الأمة القومي استشعر مزاحمة آخرين، خاصة وأن أنباء كانت قد رشحت من قبل تشير الى رغبة الأمة القومي فى الحصول على 60% من مقاعد الحكومة له ولبقية القوى المعارضة وهو ما لا يبدو ان الوطني قد وافق عليه، بما يجعل من النسبة المتاحة فى ظل تدافع آخرين فى مقدمتهم الاتحادي بعد توحده الجديد غير مريحة للأمة القومي. إن أحداً من المراقبين المتابعين لشئون الأمة القومي لا يمكنه ان يصدق ان الحزب يرفض المشاركة من منطق مبدئي. المشكلة برمتها تدور حول النسب والعلو والانخفاض وتزاحم الشركاء، وكلنا يعلم الغيرة والتنافس التاريخي المعروف بين الاتحادي والأمة القومي وحكومات الائتلاف العديدة التى كانت سمة غالبة لعهودهما والتي عادة كانت تنتهي بتغيير ثوري جراء المشاكسة والمنافسة وتشكيل حكومة ثم فضّها ، فى مسلسل مطول لا يتيح لهما حلحلة قضايا البلاد. أمر آخر ربما شكل دافعاً للأمة للمسارعة بإعلان رفضه المشاركة وهو توقعات الحزب بشأن إمكانية رضوخ الحزب الحاكم للضغوط الأمريكية أو مجلس حقوق الإنسان، ولهذا رأينا ان القرار بالرفض جاء سريعاً ولا يخلو من عجلة فى منحني استباقي لأحداث ووقائع دارت فى ذهن قادة الحزب، ولكنها لم تكن متطابقة مع حساباتهم البتة. لكل ذلك فان الأمة القومي عائد وراجح لا محالة – كشأن مقولة السيد الصادق الشهيرة – فالأمة القومي لن يطيق الجلوس على الرصيف وخصمه التاريخي الاتحادي فى عمق السلطة، كما ان الحزب لا يضمن سلامة بنيانه التنظيمي فى هذه الحالة – وله تجربة معروفة سابقة – وفوق كل ذلك فان ما تبقي من قوي معارضة ليست على وفاق معه سواء كان الشعبي بزعامة الترابي او الشيوعي او قطاع الشمال او حركات دارفور المسلحة!