بعد كل الحروب العديدة التى أشعلها فى جنوب كردفان وفى النيل الازرق، وبعد كل التحالفات التى عقدها سواء فى كاودا أو تحالف ما يسمي بقوى الإجماع الوطني (قوي جوبا)، قال ياسر عرمان انه -الآن- بصدد تكوين (تحالف عسكري سياسي) جديد للإطاحة بالحكومة السودانية ! السيد الصادق المهدي من جانبه بل كل (جهاده المدني وغير المدني) وخروجه الى الخارج وانضمامه للتجمع ثم خروجه منه ثم عودته للوفاق الوطني و لنداء الوطن، عاد من جديد للمنطقة الأولي التى بدأ بها دائرته المغلقة، وهى الجهاد المدني! إذ أنَّ المهدي وعقب تعثُّر محادثاته مع الوطني بشأن المشاركة فى حكومة القاعدة العريضة عاد مرة أخري لخياره الأول وهو ما يطلق عليه الجهاد المدني، الذى يعترف غالب المراقبين بأنهم لا يعرفون عن كنهه ومدته ووسائله شيئاً! الدكتور خليل إبراهيم زعيم العدل والمساواة العائد بأعجوبة من المحرقة الليبية والذى يعيش حالة فزع مستمرة وتخفِّي وتحرك دائم، لم يجد هو الآخر ملجأً من محنته سوي تصفية بعض قادته الميدانيين وملاحقة بعض قادة حركة التحرير والعدالة والانتقام منهم جراء توقيعهم على وثيقة الدوحة لإحلال السلام فى دارفور. خليل -إذن- من جانبه يعيد ذات دائرته القديمة المغلقة، البحث عن ملاذ آمن دون جدوي وملاحقة بني جلدته، فقد لاحق خليل من قبل – قبل حوالي ثلاثة أعوام – حركة مناوي وكاد ان يقضي عليها فى معقلها بمهاجريّة بجنوب دارفور انتقاماً منها حينما كانت جزءاً من اتفاقية أبوجا الموقعة فى الخامس من مايو 2006م. عبد الواحد محمد نور رغم كل ما حوته وثيقة الدوحة من قضايا ظل ينادي بها (التعويضات العامة والفردية ومنصب نائب الرئيس) إلا أنه غارق فى ملاحقة خصومه هو الآخر فى حركة التحرير والعدالة وإشعال المعسكرات وتهديد أمنها بشتي السبل ،أى العودة الى مقاتلة أهله وبني جلدته. الحزب الشيوعي السوداني -بمشاعر ضياع مهلكة يستشعرها- يستعجل رياح الربيع العربي فى السودان، ويحرك بيد ضعيفة مرتعشة مظاهرة هنا واحتجاج هناك (من وراء ستار) ولكن الشارع السوداني -لسوء الحظ- كان أبعد ما يكون عن(خطط التسخين) هذه لأن نسبة الوعي والإدراك والمقدرة على التحليل والوصول الى نتائج ارتفعت بشدة لدي المواطن السوداني العادي، فهو رغم كل الأزمات والمشاكل والهموم مدرك لطبيعة الأمور. و هكذا فان أبرز ما يميّز القوى السودانية المعارضة هو أنها لا تتجدَد ولا تجدِد لا أفكارها ورؤاها، ولا استراتيجياتها وتكتيكاها ولا تملّ غير العيش على الماضي؛ ذلك الماضي الذى ولي. ان هذه الازمة وحدها -أزمة تحجُّر الذهنية السياسية المعارضة- ودورانها داخل ذات الدائرة كما الثور فى الساقية، هى من صميم الازمة السياسية السودانية، فالذي يري مصلحته فى المشاركة والتعامل الايجابي الوطني مع الحزب الحاكم يخشي الآخرون ويخاف ان يعيبوه ويعزلونه، والآخرون أضعف من أَن يفعلوا شيئاً بالمقابل يعوضهم عن هذه المشاركة، فالكل يحلم بالإطاحة بالحكومة ولكن تبقي هذه الأحلام مجرد أحلام يقظة لا مجال لترجمتها على ارض الواقع. إن من يمعِن النظر لقوى المعارضة بكافة صورها وأشكالها سيري كيف أنها تصطف جميعها فى المحطة القديمة البالية فى انتظارها قطار لم يعد يمرّ من هذه المحطة.