بعض من عناصر المهارة في العمل السياسي ،.إحسان الاختيار في الوقت المناسب للخيار المناسب حتى ولو لم يكن جيدا بالقدر الكافي .قوي المعارضة السودانية ومنذ أكثر من عقدين تقف في محطة واحدة فهي لا تقوي علي منازلة السلطة سلما أو حراب وأقرت بهذا الضعف مرارا وتكرارا وعلي الملأ،وفي الوقت نفسه لا تملك القدر الكافي من الشجاعة والجرأة للتشارك مع السلطة الحاكمة في السلطة بحيث تحتفظ بمسافة سياسية مناسبة تتيح لها لوجود في الملعب السياسي وتمهد من جهة أخري لمستقبلها في الانتخابات المقبلة .الآن تعلقت قوي المعارضة في الفضاء ،وعلقت في موضع حرج للغاية ،اذ انه بها او بدونها سوف تشكل حكومة جديدة وتطبق سياسات وبرامج وربما لم تنتبه القوي المعارضة الي ان الحكومة السودانية سوف تستهل عهدها الجديد بسياسات وبرامج تحقق غالب ان لم يكن كل مطالب ورغبات المواطنين الأمر الذي سوف يسحب (ما تبقي )من بساط تحت أقدامها بصالح الحكومة .لقد كان متاحا امام هذه القوي في هذا الظرف الزمني المفصلي الهام ان تشارك –بأي نسبة –في الحكومة ذات القاعدة العريضة هذه لتسهم في البرامج والسياسات الجديدة التي تصب في صالح المواطنين ويحسب ذلك ضمني انجازاتها ويجعلها علي الأقل في مرحلة متقدمة قليلا عما هي عليه الآن لتكون علي مقربة من اختيارات الناخبين في المرحلة المقبلة .ربما بدا هذا الخيار لبعض هذه القوي غاليا وثمنه باهظ بحسب حساباتها فهي دائمة التخوف من الذوبان في محيط الحزب الحاكم الهادر المرتكز علي تجربة طويلة وقاعدة جماهيرية يصعب التهوين من شانها ،ولكنه لا يمثل شيئا في مقابل إعادة بعثها لنفسها وترميم تصدعاتها وغيابها الطويل علي المسرح السياسي بكل ما حمله من متغيرات ومستجدات تحتاج الي دربة وخبرة .ان أحزاب الأمة والشعبي والشيوعي تنظر الي قضية المشاركة كنوع من الانضمام الي الحزب الحاكم والذوبان فيه .وهذه النظرة سببها الشعور بالضعف ،ذلك ان الحزب الذي يملك جماهير حقيقية وإرادة سياسية قوية ولديه برامج ورؤى وأفكار لا يخشي علي نفسه من الذوبان والضياع لان أداءه وبرامجه وبصماته ستظل علامة مميزة له ،والمواطنين السودانيين أذكياء دون شك ويعرفون أداء كل حزب وانجازه .وطالما ان هذه المخاوف لا تزال قائمة فمعني ذلك ان هذه الأحزاب ليس لها مستقبل لأنها لا تري المستقبل إلا من خلال وفاة خصمها الحزب الحاكم وغيابه عن الساحة لترثه وتحل محله وهذه أسوأ أنواع الحسابات والتقديرات .إذن قوي المعارضة السودانية تنظر الي المشاركة كبضاعة سياسية باهظة الثمن لا تستطيع التعامل معها ولهذا فهي تتردد وتفاصل ،وتقبل ثم ترفض ثم تقبل ثم ترفض دون ان تدري إنها بهذا المسلك تزيد من تباعد أفئدة المواطنين السودانيين عنها بدرجات كبيرة .من الجانب الأخر فان الخيار الأوحد المتاح عند رفض المشاركة هو ممارسة العمل المعارض .وهو عمل مجرب بالنسبة لها ما أثمر ثمرا قط فلا العمل المسلح كثر إرادة الحزب الحاكم وقصم ظهره ولا المعارضة السلمية قادرة علي تحقيق اختراق سياسي .ولهذا فان هذا الخيار يبدو شديد المرارة والمضاضة علي هذه القوي المعارضة فهو بلا نتائج لا علي المدي القريب ولا علي المدي الطويل ،وعلي ذلك فحين تقرأ حال هذه القوي إنما تقرأه في هذا الإطار البالغ الضيق فهي عليها ان تختار ما بين خيار تراه غالبا وصعبا وهو المشاركة وآخر شديد المرارة ظلت مرارته علي لسانها منذ سنوات الأمر الذي ينطبق عليها فيه المثل السائد لا هي طالت بلح الشام ولا عنب اليمن الأول ثمنه غالي باهظ والثاني شديد المرارة في فمها نظرا لحالة المرض والسقم التي تعيشها !!