ربما لن يختلف اثنان مطلقاً أن حزب المؤتمر الشعبي المعارض الذي يتزعمه الدكتور حسن عبد الله الترابي هو حزب معارض ويمارس معارضة من نوع خاص! خصوصية معارضة الشعبي تتجسد في خصومته التي بلغت حد الفجور حيال إخوة الأمس، أعداء اليوم، بحيث لم يعد لدى أي مراقب من شك إن كل ما بات يحرك الشعبي، وأقصى ما يرجوه هو أن يهدم المعبد بأسره على الجميع ولا يهم بعد ذلك ما قد تؤول إليه الأوضاع، ففي الندوة السياسية التي جرت في دار الحزب الوطني الاتحادي بمدينة ود مدني بالجزيرة وسط السودان مؤخراً قال مساعد الأمين العام للحزب إبراهيم السنوسي أن حزبه يرفع شعاراً مفاده (لا للتفاوض، لا للمشاركة، لا للحوار). شعار بهذا السقف العالي وبهذه الحدة لا تعرفه الممارسة السياسية الراشدة عموماً، والممارسة السياسية السودانية على وجه الخصوص، ذلك أن أقل ما يمكن ان يفسد شعار الشعبي هذا انه إذا كان مؤمناً بشعاره الحاد هذا (وواثقاً من سلامته) و قادراً على ترجمته على ارض الواقع، لماذا إذن ظل لما يتجاوز العشرة أعوام حتى الآن منذ خروجه الى الساحة المعارضة غير قادر على تحريك شارع واحد دعك من مدينة او قرية في مواجهة السلطة الحاكمة ؟ فالذي يضع لنفسه خياراً محدداً، مطالب بأن يكون على مستوى خياره، كما ان هنالك سؤالاً محورياً شديد الأهمية قد يجد قادة الشعبي صعوبة بالغة في الإجابة عليه وهو لماذا تسربت غالب قياداته - وهي قليلة - من بين أيديه لتلتحق ليس بالسلطة الحاكمة وإنما بالحزب الوطني نفسه وتصبح قيادات فاعلة فيه وابلغ نموذج ومثال لذلك نائب الرئيس الحالي الحاج ادم ، أحد ابرز قيادات الشعبي الذين عادوا للمؤتمر الوطني - بنيّة خالصة - وأرسل عشرات الرسائل المفتوحة لقادة الشعبي ولكنهم لم يسمعوها وان سمعوها لم يعوها. إن حزب ليس لديه القدرة على التماسك وتوحيد صفه والتزام موقف قاطع، من المستحيل أن ينجح في مسيرته السياسية العادية دعك من أن يضع نفسه موضع القادر على إسقاط السلطة الحاكمة لمجرد رفع شعاره هذا. من جانب آخر فإن السياسة في بساطتها الشديدة هي في الممكن، والسلطة الحاكمة ليست سلطة أجنبية مستعمرة، وإنما هي سلطة سياسية منتخبة خاض الشعبي معها ذات الإستحقاق الإنتخابي الذي اجتازته في ابريل (2010م) ولم يثبت مطلقاً وقوع عمليات تزوير كما ادعى البعض في ظل رقابة دولية لم يشهد لها السودان مثيلاً . لو ان هذا التحدي كان على أساس انتخابي، بمعنى لو أنَّ توجه الشعبي لإسقاط الوطني كان على أساس المعركة الانتخابية فلا غضاضة في ذلك؛ ولكن الشعبي يساوره اعتقاد بأنه قادر على إسقاط خصمه بأي وسيلة غير عابئ (بالأسلحة السياسية المحرمة) ولا الوازع الوطني ولا المقتضيات الأخلاقية وهي كلها عناصر إذا افتقدها أي عمل سياسي لا تقود سوى إلى هاوية سحيقة!