تحليل سياسي لم تعلن السلطات السودانية رسمياً أسباب اعتقالها للدكتور حسن عبدالله الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض ، وإن كان من المتوقع آجلاً أو عاجلاً أن تعلن عن ذلك ، و لكن وبعيداً عن ما سوف يتم إعلانه أو يظهر من خلال التحقيق الذى سيجري معه ، فان من المؤكد ان الأمر هذه المرة يتصل بأمور متشعبة ، تقع جميعها تحت طائلة القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 ، إذ أنّ من المعروف أن لحزب المؤتمر الشعبي (علاقة تنظيمية ما) بحركة العدل و المساواة الدارفورية المتمردة التى يتزعمها الدكتور خليل إبراهيم ، وهى علاقة باتت واضحة منذ أن ظهرت الحركة على مسرح العمل المسلح فى دارفور قبل نحو خمسة أعوام ، ولكن كان الحزب الشعبي يتنصل من هذه الصلة ، ثم ما لبث أن بدأ يعترف بها حين اعتقد فى وقت من الأوقات أن الحركة ربما (تنجح) فى عملها المسلح و تحقق اختراقاً كبيراً . و ما من شك أن القانون يحظر ممارسة العمل السياسي لأي حزب لديه ارتباط بعمل عسكري ، حيث لا يجوز انتهاج العمل المسلح من جانب حزب يعمل وفق القانون و يطرح نفسه فى الساحة السياسية . هذا من جانب؛ الجانب الآخر أن الدكتور الترابي – ورغم خلفيته القانونية – ينشط باتجاه إسقاط السلطة القائمة مع أن من المعلوم بداهة أن السلطة القائمة سلطة شرعية و تستند على نتيجة عملية انتخابية جرت فى العاشر من ابريل 2010 و هى بهذه المثابة لا يجوز قيادة عمل يهدف لإسقاطها بغير الوسائل السلمية المتمثلة فى الآليات الانتخابية ، و أى نشاط خارج هذا الإطار هو دون شك نشاط مخالف للقانون يستوجب المساءلة الجنائية ومن المؤكد ان الدكتور الترابي يعلم بهذه الحقيقة البسيطة وهو رغماً عن ذلك يجد نفسه غير مبالي بها فى ظل حالة الغضب و الحاجة الملحة التى ما تزال تساوره منذ مفارقته الحزب الوطني فى العام 1999 ليري أصدقاء الأمس الذين عمل معهم سوياً و هم خارج السلطة . من المفروغ منه فى هذا الصدد أن الأُمنية السياسية و الشخصية الوحيدة للدكتور الترابي باتت هى القضاء على من يعتبرهم خصوم له فى الحزب الوطني و رؤيته لهم و قد أصبحوا من الماضي ، ولهذا ظلت مواقفه هذه تعميه عن مراعاة نصوص القانون. و على كل حال فان الأمر على هذه الشاكلة يكشف عن عمق أزمة رجل قارب الثمانين عاماً من العمر و لا يزال يجد في نفسه حاجة الى التشفي و الانتقام، والبحث عن مجد، غير عابئ بما تقضي به قواعد الممارسة السياسية الراشدة ، وغير مبالي بما سوف يترتب على شيوع الفوضى فى بلد يعلم هو أكثر من غيره انه لا يحتمل ولو عود ثقاب واحد !