لعلّ أصعب مشكلة تواجه الحركة الشعبية في الانتخابات القادمة، بعد أن قررت خوض الانتخابات على كل المستويات، هي اختيار مرشح لرئاسة الجمهورية لما يسببه ذلك من خوف لدى قيادات الحركة، ومن حرج وسوء ظن في التعامل مع الأحزاب الشمالية. فما هي الخيارات المتاحة أمام الحركة في اختيار مرشح لرئاسة الجمهورية؟ أحسب أن لديها أربعة خيارات تتمثل في الآتي: دعم الرئيس البشير بصفته مرشح المؤتمر الوطني حليفها في صنع اتفاقية نيفاشا والملتزم بتنفيذها على الأرض وشريكها في حكومة الوحدة الوطنية، ويضمن هذا الخيار للرئيس البشير الفوز من الجولة الأولى ويديه إلى أسفل. الخيار الثاني أن ترشح أحد قياداتها (سلفاكير، مالك عقار، رياك مشار، باقان موم ...) تمشياً مع قرار المكتب السياسي بخوض الانتخابات على كل المستويات، الخيار الثالث أن تتحالف مع أحزاب المعارضة الشمالية لتدعم مرشحها الذي يتفق عليه، الخيار الأخير أن لا تدعم مرشحاً بعينه (على الأقل علانية من أجهزة الحركة العليا) متيحة الفرصة لمؤيديها في الشمال والجنوب أن يصوتوا لمن شاءوا. ما هي إيجابيات وسلبيات كلٍ من هذه الخيارات المحتملة؟ الخيار الأول يضمن للحركة أنها وقفت مع الحصان الرابح ومن حقها أن تتوقع بعض المكاسب، أقلها أن يقف معها المؤتمر الوطني في تنفيذ بقية بنود اتفاقية السلام الشامل دون عقبات تذكر حتى مرحلة استفتاء تقرير المصير لأهل الجنوب في يناير 2011م. هذا لا يعني أن المؤتمر الوطني سيوافقها الرأي في بعض القضايا الهامة مثل حرمان المسيرية أو أكثرهم من التصويت في استفتاء أبيي حتى تنضم المنطقة بأغلبية الأصوات إلى ولايات بحر الغزال، وفي النظرة إلى قضايا ما بعد الانفصال الشائكة (المياه والبترول والجنسية والخدمة العامة الخ..)، ولكنها لن تضمن ذلك مع أية حكومة شمالية أخرى إلا إذا وضعته شرطاً مسبقاً معلناً ومع ذلك قد لا يجد حظه في التنفيذ! ومن تجربة السنوات الخمس الماضية عرفت الحركة كيف تتعامل مع المؤتمر الوطني وتحاور قياداته المختلفة في حالة غضبهم أو رضاهم، وهو أكثر انضباطاً وشجاعة في اتخاذ القرار من غيره. فلماذا إذن تتعلم التفاوض حول قضاياها الهامة مع لاعب جديد يضم شركاء مختلفين أو متشاكسين؟ ولكن هذا الخيار يحمل سلبيات كثر أهمها: أنه بحكم سيطرة المؤتمر على القوات النظامية والخدمة المدنية وموارد الدولة فهو أقوى من الحركة الشعبية ويستطيع أن يعافرها ويصمد في وجه ضغوطاتها الداخلية والخارجية، وأنه يختلف معها أيدولوجياً أكثر من أي حزب آخر، وهو منافسها الأول في الانتخابات بجنوب كردفان والنيل الأزرق والجنوب كما أنه يتحالف مع ألد أعدائها في الجنوب (لام كول وبونا ملوال)، وأن أصدقاءها في الغرب لا يريدون المؤتمر الوطني أن يعود للساحة السياسية بنفس قوته الماضية وقياداته السابقة خاصة البشير الذي يتهمونه بجرائم حرب في دارفور، وأن كثيراً من عضوية الحركة لا ترتاح لتأييد المؤتمر الوطني في الانتخابات القادمة بعد ما تعبأت ضده في السنوات الماضية وقد لا يصوّتون له حتى لو أمرتهم الحركة بذلك. الخيار الثاني: أن ترشح الحركة أحد قياداتها لمنصب الرئاسة. إيجابيات هذا الخيار أنه ينفذ قرار المكتب السياسي حرفياً ويضمن اصطفاف عضوية الحركة خلف مرشحها ويكشف الوزن الجماهيري للحركة في الجنوب والشمال، وهو يعطيها الفرصة للانتقام من المؤتمر الوطني ومماحكاته التي ما كادت تنتهي معها طيلة السنوات الماضية ويرفع عنها في ذات الوقت الحرج من تأييد مرشح شمالي ضد آخر. ومن يدري فقد يكتب لها الفوز بالمنصب إذا استطاعت أن تجمع الأصوات الاحتجاجية الشمالية ضد الرئيس البشير الذي طال مقامه في السلطة دون انتخابات حقيقية ودون جدارة مقدرة! ولكن كسب المنصب يعني حرجاً شديداً في التصويت للانفصال بل ينبغي للحركة في هذه الحالة أن تعلن مسبقاً أنها مع التصويت للوحدة عند الاستفتاء لتقرير المصير، وسيزيد هذا من فرصها بالفوز. وتتمثل سلبيات الخيار في أن احتمال الفوز به ضعيف إلى حدٍ كبير ومن ثم لن تقدم قيادات الصف الأول بالحركة على الترشح لمنصب تدرك أنه غير متاحٍ لها وتفقد ما ترنو إليه من قاعدة سياسية محلية ومن موقع في السلطة، وتقديم قيادات من الصف الثاني يعني أن الحركة غير جادة في خوض معركة الرئاسة مما يضعف من كسبها وينقص من وزنها عند التصويت. وسيزيد هذا الخيار من معاكسات المؤتمر الوطني لها فيما تبقى من الفترة الانتقالية فهو يعتبر أنه اشترى الحركة باتفاقية السلام الشامل حتى تترك له الشمال كما ترك لها الجنوب، وستجد منه خصماً ضارياً يحاول هزيمتها بكل السبل في انتخابات الجنوب وفي جنوب كردفان والنيل الأزرق. الخيار الثالث: أن تدعم مرشحاًً لأحزاب المعارضة الشمالية (الأمة، الاتحادي الديمقراطي، المؤتمر الشعبي، الحزب الشيوعي، مرشح لفصائل دارفور ومنظماتها المدنية). إيجابيات هذا الخيار أنه يعطي الحركة حق الفيتو في تسمية مرشح المعارضة الذي سيكون أضعف حالاً من مرشح المؤتمر الوطني وأكثر استجابة لمطالب الحركة إذا فاز بالمنصب. وسيجعل الخيار الانتخابات حامية الوطيس بين مرشحين جادين يقتسمان الساحة مما يساعد كثيراً في إحداث التحول الديمقراطي الذي تنشده القوى السياسية حتى ولو فاز البشير لأنه يرفع نسبة المشاركة السياسية ويستقطب الواقفين على الرصيف واليائسين من تغيير الأوضاع، ويقدم خياراً حقيقياً للناخب في الشخصية والبرنامج. وإذا ما فاز مرشح المعارضة فإنه سيسهم في تحسين علاقات السودان بمحيطه الإقليمي والدولي ويساعد في تطبيع العلاقات مع الدول الغربية ويرفع عنها حرج التعامل مع شطر البلاد دون شطرها الثاني. وسلبيات هذا الخيار هي صعوبة التوصل إلى مرشح مقبول لكل قوى المعارضة الشمالية، وليس هناك من ضمانٍ بفوزه في انتخابات يستميت المؤتمر الوطني في خوضها لأن مستحقات سقوطه خطيرة جداً على قياداته التي استهترت بالقانون طويلاً، ولا يستبعد أن يقلب الطاولة برمتها في وجه منافسيه كما فعلها في يونيو 89م! وعندها ستصبح اتفاقية نيفاشا في كف عفريت! الخيار الرابع نظري أكثر منه عملي لأنه من غير المعقول أن يقف حزب في حجم الحركة الشعبية دون أن يتخذ موقفاً واضحاً في انتخاب أهم منصب تنفيذي على مستوى البلاد، فكأنها تخلت عن تمثيل أهل الجنوب في الاختيار وتركت عضويتها عرضة لمن يبيع ويشتري بها، وفقدت في ذات الوقت كرت مساومة ضخم مع الجهات المتنافسة على المنصب. ماذا ستفعل الحركة مع هذه الخيارات الصعبة؟ لست أدري! فالطريق طويل مليء بالمطبات بين اليوم وموعد الانتخابات إن كانت في أبريل أو تأجلت إلى نوفمبر من هذه السنة، والتحالفات بين التنظيمات السياسية مفتوحة لكل احتمال على المستوى الولائي والقومي. ليس هناك من تحالف واجب أو محرم، كلي أو جزئي. (والحشاش يملا شبكتو)! نقلا عن الصحافة 10/1/2010