عندما يكون المُنادَى «حكومة»، فإن المعني هو المؤتمر الوطني الحزب، لأن الحكومة حكومة حزب، وقد سعدنا كثيراً بخطابي الدكتور نافع علي نافع (نائب رئيس) المؤتمر الوطني لشؤون الحزب و(مساعد) رئيس الجمهورية، والدكتور قطبي المهدي رئيس القطاع السياسي للمؤتمر الوطني، مساء السبت الثاني والعشرين من أكتوبر الجاري، في الجلسة الختامية للقطاع السياسي بالمؤتمر الوطني في ولاية الخرطوم.. ولنا أسبابنا التي جعلتنا نشير إلى ما أحسسنا به من سعادة بالخطابين المشار إليهما. السبب الأول هو المصطلح الذي استخدمه الدكتور نافع وهو يخاطب المعارضة، فقد وصف ممارستها داخل الندوات وبرامجها السياسية ب(الانتفاشة)، والمفردة المستخدمة يمكن اعتبارها صورة كاريكاتورية لمفردة (الانتفاضة)، كما يمكن أن تكون صورة ذهنية مقابلة لمعنى أو مفردة (النفخة الكدابة) كما يقول أشقاؤنا في مصر، وهي تقابل بيت الشعر المشهور، المأخوذ من قصيدة الشاعر أبو البقاء الرندي، في رثاء الأندلس، بعد أن أتخذ ملوك الأندلس ألقاباً فيها من التعظيم والتفخيم ما ليس فيهم، وهو بيت الشعر المعروف: ألقاب مملكةٍ في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد ففي التشبيه بلاغة، وفي الوصف سخرية ذكية، وتهكم عميق، يجيء رداً على عبارات ساخرة كانت تطلقها المعارضة، بل السيد الإمام الصادق المهدي على الحكومة، والإنسان الساخر عادة هو ذلك الشخص الذكي الذي يستطيع (تحوير) المواقف والكلمات بما يخدم أهدافه ويغيّر معاني تلك الكلمات والمواقف. لكن الذي يسعد بحق في خطاب الدكتور نافع، بعيداً عن نيران السخرية المتبادلة، هو ما جاء على لسانه حول إدارة المؤتمر الوطني لحوار جاد مع حزبي الأمة القومي، والاتحادي الديمقراطي الأصل، سيفضي إن تيسّر إلى المشاركة في الحكومة، وإن تعثّر- لا قدر الله- إلى التعاون في القضايا الوطنية. والذي يسعد أكثر في خطاب الدكتور نافع، هو دعوته الموجهة إلى المؤتمر الوطني، للاجتهاد في إزالة غلاء المعيشة، والتوجه لإحداث النهضة الكبرى للوطن، مع ضرورة التفريق بين ما تقوم به العضوية الملتزمة داخل الحزب في مجال مراجعة الخطط والسياسات، وبين الخط الفاصل بين البرامج التي اتهم بعض الجهات بالسعي لاستغلالها للانزلاق والإطاحة بكل الخير الذي حققه الحزب في السودان. الدكتور نافع وصف المرحلة التي تمر بها بلادنا الآن بأنها منعرج خير، لا منعطف خطر. أما الذي أسعدنا في خطاب الدكتور قطبي المهدي في المقام الأول، فهي دعوته لضرورة إعادة هيكلة الحزب والدولة بما يتفق مع التطورات والمتغيرات الجديدة في الساحة السياسية، وإجراء التعديلات الكافية للنهوض بالبلاد والسير بها إلى الأمام. وما زاد سعادتنا أكثر هو إشارة الدكتور قطبي إلى أن المراجعة ليست انتقاصاً أو إنقاصاً لدور وأداء القيادات السابقة، لكنها ضرورات المرحلة. من حديث الرجلين نرى أن أفق القيادة في الحزب والدولة، قد اتسع بحيث أصبح يستوعب متغيرات الداخل والخارج، وإشراك الآخر في الهم العام، ليسهم بالفكر والتخطيط للخروج من المطبات أو الأزمات التي تواجه بلادنا- لكننا نريد الإشارة إلى أن التغيير الذي نريد هو ذلك التغيير الذي يكون في الدستور والقوانين والتشريعات، لأن الذي يحكم هو الدستور ثم القوانين فالتشريعات المحلية، لذلك نحن مع التأسيس لبرلمان جديد أو مجلس تأسيسي، لوضع وصياغة وإجازة الدستور الجديد بعد أن ذهب الجنوب وانفصل وأخذ معه ما خصص له داخل الدستور الانتقالي الحالي، يكون تكوينه إما عن طريق الانتخاب أو بالتعيين من خلال التراضي مع بقية القوى السياسية الأخرى، ولا نحسب أن تكون هناك مشكلة، طالما أن الثوابت واحدة، ومتفق عليها من الجميع. والتغيير الذي نريد لا نود أن يكون شكلياً بحيث يقول الحزب إن الحكومة الجديدة ستكون (حكومة شابة) بتعيين أغلبية شابة في المقاعد الوزارية.. نحن نريد دولة شابة لا حكومة شابة.. لأن الدولة الشابة تعني فتح الأبواب أمام الشباب في الوظائف، ومنحهم الفرص الكافية لإثبات ذاتهم من خلال المواقع العامة والمشروعات الخاصة المنتجة.. وذات العائد. نقلا عن صحيفة اخر لحظة السودانية 25/10/2011م