امتلأت نفوس قسم كبير من السودانيين بآمال عظام في 9 يناير 2005 عندما أنهى اتفاق سلام بين شمال وجنوب السودان واحدا من أطول الصراعات في القارة. فعلى مدى عقدين من الزمان خاض الشمال الذي تسكنه أغلبية عربية مسلمة حربا ضروس ضد الجنوب الذي يسكنه بصورة واسعة مسيحيون ووثنيون سود. وخلف الصراع ما يقدر بمليوني قتيل. وفر ما يقدر ب4 ملايين، اغلبهم من الجنوب الذي ابتلي بالحرب أو اخرجوا من ديارهم. وبعد خمس سنوات وعندما بدت العودة الى الاستقرار قريبة حذر تقرير أصدرته الخميس الماضي 10 من وكالات الإغاثة من تجدد الأعمال العدائية الكبرى في السودان، ما لم تتدخل الاممالمتحدة والقوى العالمية. وقال واحد من واضعي التقرير مايا ميلر وهو من وكالة الاغاثة الانسانية أوكسفام «لم يفت بعد أوان تحاشي كارثة لكن الشهور ال12 المقبلة هي نقطة فارقة بالنسبة لأكبر بلد في إفريقيا من حيث المساحة». وثمة مشاعر بعدم الثقة تعتمل في صدور خصوم الحرب الاهلية السابقين، ولا تزال كثير من القضايا موضع نزاع. ومن هذه القضايا الحدود على وجه الدقة بين الشمال والجنوب ولاسيما في مناطق تضم حقولا ضخمة للنفط من المفترض أن يتقاسمها الشمال مع الجنوب. واستمر التوتر وعدم الثقة في تمييز العلاقة بين شمال السودان وجنوبه. ولم ينفذ عدد كبير من نواحي اتفاق السلام الموقع في نيفاشا العام 2005 رغم ان الجنوب حصل على قدر من الحكم الذاتي المحدود وان الجيش الشعبي لتحرير السودان يتشارك السلطة في الخرطوم.. في وقت ظل صراع آخر منفصل في اقليم دارفور (غرب السودان) دون حل. وقد حصد هذا النزاع أرواح نحو 300 الف خلال سبع سنوات وخلف 3ر2 مليون يعيشون في معسكرات للاجئين الان. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي العام الماضي أمر اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير بدعوى ارتكابه جرائم حرب في دارفور. وستكون الانتخابات العامة في ابريل المقبل أول انتخابات في غضون 26 عاما يتاح فيها لمواطنى جنوب السودان الفرصة للتصويت من اجل اختيار برلمان ورئيس جديدين. كما سيجرى في غضون العام الحالي استفتاء بشأن استقلال كامل عن الشمال. لكن الخوف من اندلاع صراع جديد في السودان يتزايد كلما اقترب موعد الانتخابات. ويقول موظف اغاثة الماني يعمل في جنوب السودان إن «الانتخابات قد تشعل انفجارا في كلا من الشمال والجنوب». وفي تقرير نشر في سبتمبر الماضي، حذرت منظمة «غلوبال ويتنس»، وهي منظمة غير حكومية تقوم بحملات في قضايا البيئة وحقوق الانسان من تباينات في أرقام إنتاج النفط. وقالت إن الأرقام التي تنشرها حكومة الخرطوم ويستند اليها في تقاسم العائدات أقل بكثير من الارقام التي تنشرها شركة الصين الوطنية للبترول التي تقوم على تشغيل الحقول. واستمر التوتر الشديد في الجنوب على مدى شهور. وقتل ما لا يقل عن 2500 شخص في العام الماضي أي اكثر من العدد الذي قتل في دارفور العام 2009 في مصادمات عرقية ونزاعات بشأن المياه واراض المراعي والسرقات المسلحة لقطعان الماشية. ويتهم أعضاء الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يتخذ من مدينة جوباجنوب السودان مقرا له حزب المؤتمر الوطني الذي يرأسه البشير في شمال السودان بإثارة وتمويل الاضطرابات. وكتبت المجموعة الدولية للازمات، ومقرها بروكسل وهي منظمة مكرسة لمنع وحل الصراعات الدموية، في منتصف ديسمبر الماضي، أن السودان «ينحدر صوب انفصال يتسم بالعنف والوقت ينفد». وقالت إن كلا من المؤتمر الوطني والجبهة الشعبية لتحرير السودان تعوزه الارادة السياسية لتنفيذ اتفاق السلام بشكل كامل. ولا يمكن القول ان النظرة للانتخابات وردية بحال من الاحوال نظرا لان الجانبين كليهما يتنافس على الاصوات باستحضار العداوات القديمة. كما أن الاعمال اللوجستية وحدها تشكل تحديا خطيرا كما تبرهن عملية تسجيل أصوات الناخبين في الشهور الاخيرة. وساعدت بعثة الاممالمتحدة في السودان بنقل مولدات الكهرباء واجهزة كمبيوتر وامدادات للمكاتب خاصة بالانتخابات الي الولايات السودانية حيث أقيمت مراكز انتخابية إقليمية. لكن سيكون على السودانيين تمضية عدة ايام حتى يدلوا بأصواتهم. كما ان الامر سيتطلب عدة أسابيع حتى تعلن النتائج. وستعقد الظروف الصعبة عمل المراقبين الانتخابيين وستشجع على التلاعب، وثمة تقارير عديدة بالفعل عن عملية شراء أصوات واخافة وترويع ناخبين. (د.ب.أ)