بعد الانهيار المدوي ((للاتحاد السوفيتي)) في نهاية الثمانينات من القرن المنصرم، خلت الساحة السياسية لأمريكا باعتبارها القطب الأقوى في العالم، والمحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد والسياسية، والمستفيد الأول من أنهيار ((الدب القطبي)) بل وارتمائه في أحضان الغرب الرأسمالي صاغراً منكسراً... الثقافة السياسية لأمريكا والدول التي تدور في فلكها، تقوم على إيجاد عدو في الساحة لمصارعة، وجعله ((فزاعة)) تحتال بها على دافع الضرائب، ووسيلة للتدخل في شئون الآخرين، وبسط الهيمنة على العالم، فقامت بتنصيب العالم الإسلامي كعدو بديل للشيوعية، وجعلت كلمة السر في هذه المعركة ((الإرهاب)) هذه الكلمة المفخخة، التي عبرها دمرت دول ومحت حضارات، وقتل الملايين، وشرد عشرات الملايين، واستنزفت ترليونات الدولارات، كان يمكن أن تحارب الفقر، والجوع، والمرض والجهل، أعداء الإنسانية جمعاء... ولكن إنسان الحضارة الغربية ظلوماً جهولاً..!! لعل الاتهامات التي ساقتها الولاياتالمتحدةالأمريكية في الأيام الفائتة، والتي فحواها أن هنالك محاولة اقتيال دبرها شخص إيراني يحمل الجنسية الأمريكية في حق السفير السعودي بالولاياتالمتحدةالأمريكية ... مما لاشك فيه أن محاولات الاغتيالات السياسية، نهج مرفوض من قبل كافة الأسوياء من بني البشر، ومستهجن، وحرام في كل الأديان السماوية والأعراف السياسية والقوانين الجنائية، فالكل يدين مثل هذه التصرفات .. ولكن عندما تروح الولاياتالمتحدة لمثل هذه الأفعال، تدور في الذهن عشرات الأسئلة، خصوصاً وأن الولاياتالمتحدة أثبتت انها في سبيل تحقيق مقاصدها تفعل كل شي.. نعم كل شي بدون أي سقف، ودون أي مراعات للآخرين، حتى لو وصل الأمر لقتل الملايين وتشريد عشرات الملايين وتدمير دونل بكاملها، ولعل الوقائع الشاهدة أثبتت ذلك!!! أمريكا دمرت العراق في أيام معدودات بكذبة حقيرة، أن هناك أسلحة للدمار الشامل في بلاد الرافدين، وأن هنالك علاقة لنظام صدام حسين بالقاعدة .. فالعالم الحر العزيز الآن لا يصدق أمريكا حتى لو كانت صادقة.... والكل الآن يدرك تماماً أن أمريكا من وراء الاتهام تريد خلق فتنة حمقاء بين أقوي دولتين في العالم الإسلامي، الأولي تمثل الأغلبية السنية، وبها كل المقدسات الإسلامية، ولديها اقتصاد قوي، وعلاقات ممتازة مع اغلب دول العالم، والثانية تمثل الشيعة وهم فصيل مسلم له أتباع كثيرون في أغلب دول العالم الإسلامي، وهي قوية من الناحية التكنلوجية، ولها علاقات ممتازة مع جل الدول الإسلامية، ولها عداء صارخ مع الدول الغربية، خصوصاً بعد اندلاع الثورة الإسلامية في نهاية السبعينات من القرن المنصرم، وما موقف الغرب منها في تقدمها التكنلوجي الا حسداً وبغضاً ولا يردون لدول العالم الإسلامي امتلاك التقانة النووية السلمية، في حين أنهم يملكون السلاح النووي!!! الذي يدمر الإنسانية ويحرق الأرض... وتهدف أمريكا من هذا الأمر أن تندلع حب بين السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وان يشتعل الخليج العربي ناراً، وان تسوق أسلحتها التي عفي عليها الزمن، وأن تخلق فرص عمل لعدد من العاطلين، الذين يشكلون التحدي الاقتصادي الكبير لاقتصادها المترنح للسقوط، لأنه سكر حتى الثمالة من المال الحرام الذي نهبه من العراق ودول الخليج في الحروب التي دارت في منطقة الخليج العربي خلال الثلاثة عقود المنصرمة، وتريد أيضاً أن تعزز وجودها أكثر فأكثر في منطقة الخليج لحماية ربيبتها إسرائيل – رأس الفتنة في المنطقة كلها... وهي سياسة قديمة باليات جديدة، الغرب ومنذ الحروب الصليبية، انتهج مع العالم الإسلامي سياسة فرق تسُد، وللأسف الشديد النخب الوطنية بعيد الاستقلال الشكلي من المستعمر البغيض؛ أقول الشكلي لأن الذين تولّوا زمام الأمور ساروا في نفس الطريق الذي سار فيه المستعمر، بل كانوا اشد تنكيلاً بالوطنيين الخُلّص، الذين لا يريدون تطبيق سياسات العدو، ويحملون من جوانبهم العِزة والكبرياء... هؤلاء الساسة صاروا منكبين على وجوههم ومنقادين وبغباء لأفكار المستعمر، حتى عم التخلف والانقياد الأعمى لنظريات لا تلبي طموحات الأمة وعقيدتها السمحة؛ إنما تلبي عقيدة وفكر العالم الغربي الذي زرع الشك في قلوب الكثيرين من أبناء الإسلام وبنا في عقولهم وهم كبير مفاده أن الإسلام لا يصلح للقيادة السياسية في بلدانكم، فلا بد من تطبيق العلمانية التي أوصلت الغرب إلى هذا النضج الحضاري والتقدم الاقتصادي، والقوة العسكرية التي لا تقهر... فأمريكا تتربص بكل تجربة إسلامية إن كانت سنية أو شيعية وتسعى بكل ما أوتيت من مكر ودهاء لضرب التقارب بين مكونات العالم الإسلامي، ولعل عقلاء القوم يفهمون هذا التدبير الخبيث، فمهما بلغ الخلاف الفكري بين السنة والشيعة فهو خلاف في أمور اجتهادية يمكن للمفكرين العدول من الجانبين أن يصلوا لصيغة تقاربيه، تسد هذه الفجوات التي يتسلل منها أعداء الأمة لضرب عقيدتها، ولعل مجهودات الدكتور محمد سليم العوا، والدكتور احمد كمال ابوالمجد تصب في هذا الإطار، وكذلك مجهودات المرحوم محمد حسين فضل الله المرجع الشيعي اللبناني ، وكم فرح العالم الإسلامي بانتصار حزب الله في العام 2006م على إسرائيل، وكم فرح العالم الإسلامي بالدعم السخي للجمهورية الإسلامية لحماس والفصائل المجاهدة في فلسطين؛ لأن هذه القبائل لها قضية عادلة مهما صنفتها الإدارة الأمريكية ومن ورائها الكيان الصهيوني بالإرهاب الأول على مستوى العالم، لأنه اغتصب دولة وشرد وقتل ومارس أبشع الجرائم في حق الشعب الفلسطيني المجاهد، والمدافع على حريته وكرامته منذ العام 1948م وحتى كتابة هذه السطور... أمريكا تسعى لكي تجعل دول الخليج تضع إيران العدو الأول، وإسرائيل الصديق العزيز والجار الكريم "ساء ما يحكمون" !! ونجحت إلى حدٍّ ما، ولكن غالبية الشعوب لا تصدق هذا الأمر وتتوق لليوم الذي يجتمع فيه شمل الأمة الإسلامية ويتعانق السنة والشيعة، وتتلاحم هذه الصفوف أمام العدو الأول هو الاستعمار الصهيونية، والذين يدعمون الصهيونية... وعلى إيران واجبات يجب أن تقوم بها وتتمثل في عدم تحريض الشيعة في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، كما يجب على سلطات المملكة إعطاء هذه الفئات حق المواطنة والمشاركة في إدارة شئون البلاد. وكذلك في البحرين والحوثيين في اليمن وغيرها من مناطق الخليج.. لا شك أن هنالك تيار أمريكي يريد المواجهة العسكرية مع إيران، وهذا يدعمه الكيان الصهيوني، ويريدون أن يبدأ الحصار اقتصادي ودبلوماسي؛ حتى تضعف إيران ومن ثم يتم توجيه الضربة العسكرية القاضية، كما فعلوا مع العراق قبل ثمانية سنوات خلت... أمريكا تريد أن تشوش على الربيع العربي الذي بدأ في صرع حلفاء أمريكا الواحد تلو الآخر والبديل هو التيار الإسلامي المعتدل -المعتدل بالمفهوم الفقهي الحق، لا بمفهوم "مؤسسة رائد الأمريكية" وتونس خير دليل والبقية في الطريق... على النظامين السعودي والإيراني إدارة حوار اخوي، وهم اقدر على ذلك لِما يمتازون به من الحكمة والحنكة والحرص على حقن الدماء الإسلامية، والمحافظة على الثورات الإسلامية، وهذا من صميم الدين الإسلامي الحنيف، والذي يدعو للتضامن والتعاضد، وأن يكون المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.. المستفيد الأول من توتر العلاقات بين البدين الشقيقين هو إسرائيل وأمريكا، والخاسر الأكبر هو الشعب المسلم في إنحاء العالم، ولا نريد أن تكرر حرب الخليج التي دارت بين إيران والعراق في القرن المنصرم، وسالت فيها الدماء الإسلامية وحرق فيها المال الإسلامي وربح أعداء الإسلام لا...لا نريد أن نُفجع مرة أخرى في عالمنا الإسلامي. نقلاً عن صحيفة السوداني 3/11/2011م