تعرف الأوساط السودانية جيدا لويس مورينو أوكامبو مدعى المحكمة الجنائية الدولية الذى أثار جدلا واسعا فى يوليو 2008، ولا يزال حينما وجه للرئيس عمر البشير تهماً تتعلق بجرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.. دارفور التي خرجت ولاياتها الثلاث لاستقباله على نحو منصف عقب زيارته لها بعد توجيه تلك التهم مباشرة، وليس بعيدا عن الأذهان تلك التظاهرات العفوية التى خرجت وملأت شوارع الخرطوم تساند الرئيس وتردد هتافات تصف اوكامبو بالجبن والعمالة فى إشارة إلى رفض قرار المحكمة الجنائية الذى وافق على طلب اوكامبو بتوقيف رئيس الجمهورية فى الرابع من مارس 2009. اوكامبو الذى تنتهى ولايته فى يونيو 2012 تبحث المحكمة الجنائية عن بديل له حيث تركز جهودها خلال الأسابيع القادمة على اختيار من سيخلفه. فمن سيكون البديل وهل سيستمر فى ذات اتجاه سياسة اوكامبو الذى أظهر عداء شخصيا للسودان ورئيسه بعد أن حول القضية إلى سياسية بامتياز وانحرف بها عن مسارها القانونى؟ أم أن المحكمة ستعمد إلى تصحيح الأخطاء السابقة وتختار شخصا يعمل بمهنية قانونية بحتة يعيد لها الثقة التى افتقدتها إبان فترة اوكامبو، وبالتالى نتوقع أن تقل حدة التعامل مع السودان ؟. من المعلوم، أن مذكرة التوقيف ضد البشير أثارت ردود فعل متباينة تجاه المحكمة الجنائية والمدعى العام فى الأوساط العربية والأفريقية والعالمية وطعن الكثيرون فى عدالة اوكامبو بسبب تواطئه مع جرائم إسرائيل ضد الإنسانية وانحيازة للاجندة الامريكية التى تسعى لخلق توتر فى المناطق التى يتزعمها من أهمها توجهات مناهضة للمشاريع الغربية وهذا السبب ربما جعل الكثير من الدول تتحفظ في المصادقة على مثياق روما برغم انها وقعت عليه. اوكامبو القاضي الأرجنتينى الجنسية يعتبر أول مدع للمحكمة الجنائية حيث انتخب فى العام 2003 بعد عام من تأسيس المحكمة فى العام 2002م، وهى محكمة مهمتها محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب حيث بلغ عدد الدول الموقعة على قانون إنشاء المحكمة (150)دولة حتى نوفمبر 2007 ووقعت (41) دولة أخرى على قانون روما لكنها لم تصادق عليه. وعلى الرغم من أن اوكامبو قانونى منذ الدراسة حيث تخرج فى جامعة بوينس ايرس كلية القانون وعمل ملازما قضائيا من العام 1980 إلى 1984 قبل أن ينتشر صيته بوصفه مساعد المدعى العام للجنة الوطنية المسئولة عن اختفاء الأشخاص فى الارجنتين التى قامت بمحاكمة 9 من كبار المسئولين الأرجنتنيين من ضمنهم ثلاثة رؤساء دول سابقين وعدد من العسكريين الذين اتهموا بعمليات قتل جماعى، رغم هذه الميزات القانونية إلا أن سيرته لم تكن (طيبة) فى الأوساط العالمية والأفريقية وتعرضت المحكمة الجنائية لانتقادات من الكثير من الدول منها الصين والهند وروسيا ومن المفارقات أن امريكا من بين تلك الدول التى انتقدت المحكمة وامتنعت عن التوقيع على ميثاقها . وبعض الدول من بينها اسرائيل لم توقع على الاتفاقية. مراقبون أشاروا إلى أن سبب ذلك أنها من أكثر الدول التى ترتكب جرائم حرب ففى الخمسين سنة الماضية حدثت أكثر الانتهاكات خطورة لحقوق الإنسان داخل الدول فى ظل نزاعات كانت الدول أطرافا فيها من بينها اسرائيل التى قامت بارتكاب اأكبر جرائم حرب ضد الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين ولكن اوكامبو غض الطرف عنها بينما لاحق البشير برغم أن السودان لم يصادق عل ميثاق روما أيضا . وهذه المساوئ التى ارتكبها اوكامبو ربما تكون واحدة من اسباب البحث عن بديل آخر ستكون مهته أصعب لإزالة التشوهات التى خلفها اوكامبو لدرجة جعلت غير القليل من الدول الأعضاء تبدى ملاحظاتها تجاه أداء المدعى العام واعتبر مراقبون أن هذه المهمة شاقة للغاية حتى يستطيع تغيير الصورة السيئة التى رسمها اوكامبو ما جعل الكثير من الدول تفقد ثقتها فى المحكمة الجنائية وأشاروا إلى أن الوضع الطبيعى ان يزداد عدد الدول الموقعة على الميثاق ولكن لأن عملها صار أقرب إلى السياسة منه إلى القانون جعل بعض الدول تحجم عن ذلك، وتوقعوا أن يأتى القادم الجديد بنهج مغاير، مغاير حتى تجاه السودان.. ربما. واعتبر د. محمد أحمد سالم مسجل تنظيمات الأحزاب السابق والخبير القانونى المعروف أن اوكامبو لم يكن الشخص المناسب كأول مدع للمحكمة الجنائية بعد إنشائها حيث أنه بدا بداية خاطئة حينما كان أول عمل له توجيه الاتهام لرئيس السودان وهى دولة نامية بجانب انها لم توقع على الميثاق، فكان الأفضل أن يبدأ عمله باتهام الدول الكبرى مما أعطى انطباعا سيئا لمحكمة الجنايات إضافة إلى أنه عالج الموضوع بصورة شخصية. حيث أنه هاجم البشير فى شخصه وأطلق التصريحات ضده وصار يطوف البلدان لإقناعها بتوقيفه رغم أن ذلك ليس من اختصاصه ما يشير إلى أنه (سيس) القضية وهو الأمر الذي يقدح فى كفاءته كقانونى. وأضاف سالم برغم اننا لسنا موقعين على الميثاق ولكننا اكتوينا بنار المحكمة بسبب ضعف قدرات اوكامبو لذا فالأفضل أن تختار المحكمة الجنائية البديل القادم بمعايير قانونية جيدة حتى تخرج من أزمة الثقة التى سببها اوكامبو . بعض المحللين أشاروا إلى أن تغيير الشخصيات لن تؤثر فى نهج المحكمة الدولية وخاصة تجاه السودان فقد صدرت القرارات بحقه مسبقا وبالتالى على المدعى العام ان ينفذ ولكن ليس من حقه أن يلاحق الذين صدرت فى شأنهم قرارات وقال د.الطيب زين العابدين المحلل السياسى وأستاذ العلوم السياسية بجامعة االخرطوم ل(الرأى العام) إننا لا نستطيع ان نتنبأ بما سيحدث فى أروقة المحكمة الجنائية، وأقر بأن اوكامبو سلك نهجا لايتوافق معه كقانونى ولكن القضايا التى عرضت للمحكمة وصدر بشأنها قرار لايملك البديل إلا أن يسير باتجاهها ومهمته ستكون فقط ان يقدم الأدلة لثبوتها لا ان يبحث كيف يقبض على المتهمين كما فعل اوكامبو فالمحكمة لم تعينه شرطيا دوليا، ولكن ممكن أن تشير للدول الموقعة لتوقيف المتهمين فمهمة المدعي التنبيه وليست التنفيذ. واعتبر ان إحجام الدول وخاصة الدول الكبرى عن التوقيع على الميثاق بسبب أنها ترغب ان تعاقب مواطنيها محليا وترفض أن تحاكم خارج بلادها مثل امريكا التى تشترك فى قمم حفظ السلام الدولية ويمكن لجنودها التورط في جرائم جنائية وكذلك اسرائيل . ومهما يكن، فان البديل القادم الذي سيكون من داخل المحكمة الجنائية حسب بعض التسريبات الصحفية من لاهاي، ربما يكون أفضل من سلفه نتيجة للانتقادات التى وجهت لأوكامبو. وربما يمضي على ذات نهجه وستكشف الأيام، أو بالأحرى الأشهر القادمة عن أى بديل لأوكامبو كنا ننتظر. نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 13/11/2011م