إن الحوادث الصغيرة الخفية هي التي تلقي الضوء الكاشف ولو متقطعاً على الحقيقة، تلك الحوادث الخفية قد تكون إيجابية بمعنى أنها تقود العقل بطريقة مباشرة للوصول إلى الحقيقة دون إعياء للفكر أو الذهن أو إرهاق الوسائل، وقد تكون سلبية بحيث تعرقل نمط التفكير البشري وتضع العقبات والعراقيل أمامه لكي لا يعلم الحقيقة أو لا يصل إليها إلا بعد مشقة وإن وصل إليها فيكون ذلك بعد فوات الأوان، وهذا ما نحن فيه وعليه الآن بشأن المنظمات الأممية العاملة في السودان والتي اتفقت جميعها أو وجهت جميعاً لممارسة الضغوط كلٌّ في مجالها على السودان فكرياً ودبلوماسياً وإنسانياً وحتى عسكرياً وذلك تمهيداً لمرحلة حاسمة تهدف إلى الإيقاع بالحكومة أو الدولة في شراك التمزيق والتفتيت الذي بدت ملامحه في صراع الاثنيات وتدويل ما تبقى من قضايا، وجدت لها الأذن الصاغية والخطط الجاهزة والبديلة بل وحتى الحكومات البديلة، كل هذا يتم إكماله وتنفيذه عبر المنظمات والمؤسسات الدولية العاملة تحت كيان الأممالمتحدة، ورقع الشطرنج للتنفيذ معلومة لدى الجميع أولها حكومة جمهورية جنوب السودان وحركات التمرد في دارفور وبقايا الحركة الشعبية في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وبعض من منسوبي جبهة الشرق ثم في خاتمة الأمر وذيل القائمة فإن المعارضة بقيادة رموز تاريخها السياسي ملطخ وقوامها الاجتماعي مهزوز الجذور فكرياً اهترأت معه مصداقيتهم الوطنية فهم عملاء لا نبلاء وهم بخلاء بخلوا على الوطن بكل شيء لم يعودوا كما كانت أصولهم كرماء ثم إنهم أخيراً المروجون والمبشرون بالحلول الأممية لكل شأن أو قضية، لقد استطاعت المنظمات الأممية النفاذ إلى عقليات بعض ساساتنا ومفكرينا فأصبحوا جزءاً من مأساتنا. لقد أسفرت كل المنظمات العاملة بالسودان عن وجهها القبيح فهي رغم المظاهر الأممية والإنسانية تبقى حقيقة واحدة أنها رغم ما تقدمه في مجالاتها إلا أنها تخدم الصهيونية العالمية وهذا ما سنردده مراراً وتكراراً ويكفينا فقط دراسة التاريخ السياسي والإنساني لهذه المنظمات ثم التمويل المالي وفي النهاية تعود لأصل الحكاية والأزمات السحيقة والأسباب الكامنة وراء إنشاء هذه المنظمات إلى بروتوكولات صهيون التي خططت لكل ما يجري في العالم وتوقعت ووضعت نظريات الاحتمالات لكل الأحداث ثم الحلول لها إما بزيادة التعقيد أو انفراط العقد. من الواقع رغم القوانين التي تُلزم هذه المنظمات بالحياد في النزاعات الداخلية أو التي بين الدول نجد أن المنظمات العاملة في السودان كانت تعمل بانحياز واضح نحو الحركات المعارضة للحكومة وقد وضح ذلك جلياً إبان فترة الصراع الجنوبي الشمالي بحيث كانت الآليات والمركبات والطائرات تُستخدم في تنقلات القادة أو نقل مواد تموين القتال وحتى في عمليات الاستطلاع الاستخباري وقد تقدمت الحكومة السودانية بعدة شكاوى في هذا الشأن ولكن لا حياة لمن تنادي. يتغير الصراع وتتحول جبهاته وحدته إلى الغرب لتكون ذات المنظمات هي صاحبة الأمر والنهي بل ازدادت وتيرة عملها التنفيذي تحت الغطاء الإنساني ثم ثالثة الأثافي تقديم الدعم العسكري تحت عدة مسميات للدعم الإنساني الإغاثي ولكنها في الواقع مواد لتموين القتال، إذن فاليونامس أو اليوناميد فالأخيرة من الأولى وتعمل تحت إمرتها وبغطاء منها فهي رغم ما قدمته من خدمات أو تركته من آليات أو معدات كمثال لقوات الشرطة فهي بالتأكيد إن لم تترك للحركات المسلحة مركبات فقد تركت لها أو سمحت لها بالاستيلاء على معدات قتال نوعية سواء كان بالتخلي الطوعي الموجه أو بقيام الحركات بالهجوم على مواقع قوات اليوناميد والاستيلاء على الأسلحة والمعدات. من الحروب الخفية التي تقودها هذه المنظمات وتشنها حرب وسائل الإعلام المسموعة أو المرئية التي أعادت تقسيم الإذاعات بلهجات محلية مختلفة وكذلك داخل معسكرات اللجوء التي أُقيمت حيث تناحر القبائل والحركات تحت حماية القوات الأممية وسمع وبصر منظمات حقوق الإنسان وذلك لأسباب زيادة التطاحن السياسي والاجتماعي والديني بين الاثنيات المختلفة داخل المعسكرات لتصل إلى درجة الهيجان والغليان الذي يُعكس للخارج العالمي على أنه صراع جهوي يهدف إلى تدمير أقلية لحساب أغلبية. ما ينطبق على المنظمات الدولية العاملة تحت مظلة الأممالمتحدة ينطبق على المنظمات الطوعية بلا استثناء فهي عمل تبشيري تحت غطاء إنساني وكذلك يمكن تضمين المؤسسات المالية الدولية داخل دائرة التآمر ليس ضد السودان وحده بل ضد كل الدول النامية ليظل اقتصادها قعيداً لا يفارق مكانه قيد أنملة يظل دائماً تحت رحمة البيوتات الاقتصادية الغربية هيمنة وتصريفاً للمال ثم تكبيلاً للاقتصاد بالقروض والمديونيات التي يصعب سدادها إلا بتنازلات قد تمس سيادة الدولة، وما يجري الآن رغم المحاولات للحكومة والتفاهمات لم تستطع حتى الآن الوصول إلى اتفاق ينجم عنه إسقاط الديون عن السودان أو تخفيضها أو حتى تخفيض فائدتها بما يعني عدم تمكن السودان من تسديد القروض القومية إلى الأبد.. إن خطط المنظمات المالية الدولية وبتوجيه من المنظمات الخفية ترمي إلى خلق ظروف داخلية وإقليمية ثم دولية تؤدي إلى توريط السودان ليقع أكثر فأكثر في مستنقع الديون وفي الوقت ذاته إعفاء جمهورية جنوب السودان من كافة مديونياتها بل وتقديم الدعم لها. إن القوة الخفية بدأت تلعب دورها مكشوفاً على مسرح الأحداث السوداني فتحركات الدمى أو قطع الشطرنج تتحرك في الوقت المناسب الذي تحدده هذه القوى وما الأحداث التي تسلسلت في واقعنا الاقتصادي «خاصة القطاع الصناعي وقطاع النقل الجوي/ جوي» وفي واقعنا الدبلوماسي المتمثل في تأليب دول الاتحاد الأوربي رغم التطمينات من جانبهم ولكنها تطمينات جوفاء وفي القطاع الدبلوماسي الذي يشهد إحاطة تصعيد الحرب الأممية المعلنة على السودان عبر المنظمات الأممية أو الطوعية بالحرب النفسية الموجهة والحرب الدينية المعلنة بحيث إن جميع هذه العوامل التضامنية بمتوالية مدروسة تقود إلى صراع سوداني سوداني يضخم من فرص التدخل الأممي العسكري في الزمان والمكان الذي تحدده المنظمة الأممية. إن القوى الخفية أتقنت دورها في التخطيط والتنفيذ وهي في انتظار النتائج وهي غير مستعجلة لا يضيرها أبداً أن تواصل حكومة الإنقاذ حكمها للسودان أو تتغير بفعل عوامل الربيع العربي.. لقد تحققت الأهداف المرحلية الأولى للصهيونية العالمية وبقية الأهداف فإن مسار الأحداث حول السودان عربياً وإفريقياً كفيل بتكملتها ما لم يحدث ما هو ليس في الحسبان. إن السودان وهو قلب القارة الإفريقية وهو الدولة المفتاح لعدة طرق وثقافات إفريقية/ عربية سيظل هو الهدف الرئيس للمنظمات الدولية الأمر الذي يتطلب بجانب أعمال الدولة المعلومة إلى تفعيل أكثر لدور الدبلوماسية علنية كانت أو سرية لكي تتمكن الدولة من اختراق هذه المنظمات الإنسانية والمالية حتى تتمكن من القيام بالأعمال التي من شأنها الحد من خطورة هذه المنظمات وجوداً أو آثاراً بعد خروجها من السودان. ختاماً قد تبعد الدولة بقرارات سيادية كل المنظمات الأممية أو المنظمات الطوعية إلا أن إزالة آثارها أو تركتها الثقيلة داخل المجتمعات في مناطق الصراع أو حتى في أوساط الطبقة المستنيرة ليس بالسهل الأمر الذي يتطلب قيام الدولة منذ الآن بتضمين مهددات المنظمات الدولية للأمن القومي السوداني قيد الدراسة والتحليل إن لم يكن لمجابهتها عسكرياً أو دبلوماسياً فعلى الأقل من باب أن تعلم الأجيال بهذه الأمور ولا تجهلها أو تتجاهلها عند الاصطدام المستقبلي بها. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 16/11/2011م