أصبح من الصعوبة بمكان أن يصل رئيس اللجنة الإفريقية رفيعة المستوي، ثامبو أمبيكي، إلى نقاط التقاء بين الخرطوموجوبا، فيما تبقي من قضايا قيد التباحث، لأن الأوراق فيما يبدو اختلطت على الأطراف جميعها، ولاسيما بعد الكشف عن معلومات تفيد برفض الحكومة السودانية التفاوض مع دولة الجنوب، من واقع ان الأخير متورط في دعم الحركات المتمردة على الشمال بالتحديد في ((النيل الأزرق وجنوب كردفان)).. فموقف الخرطوم هذا كان واضحاً خلال الزيارة التي قام بها سلفاكير الشهر الماضي ولقائه بالرئيس البشير الذي أبلغه صراحة بان حل القضايا المسمي بالعالقة لن يحدث الا بعد ان يرفع الجنوب يده عن دعم الحركات الشعبية بالشمال، وهذا الأمر كشف عنه النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان طه في زيارته الى القاهرة مؤخراً حيث قال ((قنا للجنوب ارفع يدك عن الشمال)). فمنذ تلك اللحظة بدت الأشياء بين الطرفين تحمل قدرا من القطعية وأن كانت خفية في بعض الأحيان .. ولم تفلح المجهودات المكوكية التي يقوم بها امبيكي في ازالة (الغباش) .. ومن خلال عدة جولات واجتماعات مغلقة عقدها الرجل مع قيادتي الدولتين لم يصل الى نتائج ملموسة وكان الأمر طحينا بلا دقيق)). ويبدوأن الاحترام الذي يحظي به امبيكي لدي الطرفين جعله يواصل طريقه عله يصل الى النهاية المرجوة.... غير ان ما يجري بين الدولتين من مناوشات لسانية عبر اتهامات أصبحت علنية وصل بعضها إلى مجلس الأمن الدولي، قد لا تجعل الأمور مستقرة وربما وضعت مكانة امبيكي علي المحك، اذا أخذنا في الاعتبار أن لجنة الرجل تعتبر هي آخر لجنة تمارس مهام الوساطة في السودان بعد أن أغلقت الخرطوم أبواب التوسط الخارجي. فأمس الأول كشف وزير التجارة بالجنوب قرنق دينق عن اتصالات تلقتها دولته من قبل أمبيكي تفيد بمواصلة التفاوض حول القضايا العالقة، لكن الخرطوم رفضت ذلك، مما أدي إلى إلغاء جولة من المفاوضات كان مزمع انعقادها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا هذا الأسبوع وبالتحديد السبت المقبل .. وهنا يجد المتابع أن الخرطوم مهدت لذلك الرفض قبل ايام قليلة مضت عندما أطلق وزير الإعلام، كمال عبيد، تصريحات، أعلن من خلالها عدم وجود ما يسمي بقضايا عالقة مع دولة الجنوب، وأن كل ما يربط الحزبين في السابق المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قد وصل الى نهايته باتفاق السلام الذي تم تطبيقه على أفضل ما يكون، داعياً دولة الجنوب التعامل مع السودان بموجب القانون الدولي في كافة المحاور والقضايا المرتبطة مع الدول بصورة عامة، مشيراً الى أن بعض قادة دولة الجنوب لا زالوا يتحدثون عن قضايا عالقة تناقش حزبياً مع المؤتمر الوطني وهذا غير صحيح، وأضاف :(علي حكومة الجنوب أن تعي بانها تتعامل مع دولة أخري وليست حزباً).. منوها الى ((ان القضايا الموجودة هي قضايا دولية تحكمها معايير قانونية متفق عليها عالمياً)).. الى ما يبدو ما قاله عبيد صحيحاً من واقع ان ما يجري في السودان السابق بين الحركة والوطني كان يحدث في اطار الدولة والواحد باعتباره واقعاً تفرضه شراكة اتفاقية السلام الشامل ((نيفاشا)) لكن عمليا يظل الأمر موجوداً بحسبان أن الحزبين هما الموجودان الآن على سدنة الحكم سواء في الشمال والجنوب والمتحكمان بصورة أساسية في كل التفاصيل، يضاف الى ذلك ان الذين يقودون عمليات التفاوض في اللجان من الجانبين هما ما يعرف ((بطاقم نيفاشا)).. وهو امر يؤكد بأن ما يقال أو يمكن أن يقال في هذا الجانب يظل نظريا فقط بينما الواقع يحمل حقائق مغايرة. للوهلة الاولي ربما اعطت المؤشرات الحالية بين الخرطوموجوبا، والمتمثلة في الاتهامات بايواء كل منهما معارضوا الآخر، قدرا من الحقيقة بأن هذه هي الأسباب الأساسية التي تحول بين الأطراف دون مواصلة الحوار للبحث عن حلول للقضايا المتبقية ... غير ان المتابع يمكنه تحديد معطيات أخرى، شابت ملف التفاوض بدت عقب إعلان الانفصال رسميا .. فالجانبان فشلا مرارا في الوصول لصيغة معقولة تضمن لهما تحقيق اتفاق يحقق ويحافظ على مصالح البلدين .. بيد ان مراقبين لا يرون خياراً أمام الخرطوموجوبا في المستقبل الا التفاوض والحوار، لجهة أن الامتناع عن ذلك سيكون له ضرار على الدولتين خاصة القضايا الاقتصادية التي يعاني منها كلاهما، فملف البترول لم يحسم بعد رغم الصمت، ولا زال الجنوب يعتمد على إمكانية الشمال في التصدير، بالإضافة الى قضية ابيي التي تمثل حجر الزاوية في تحديد مستقبل العلاقة الآمنة، وفوق كل ذلك تظل مشكلة الحدود في المناطق الأخرى حاجزاً .. وهذا ما نبه اليه قرنق دينق الذي دعا الخرطوم الى مراجعة موقفها والقبول بمبداً الحوار للوصول الى تفاهمات تضمن الاستقرار للطرفين، مع انه قال بأن قرار الخرطوم بموقف التفاوض لم يؤثر على تفق النفط عبر الشمال، لكنه قطع بالا خيار بين الطرفين سوي التفاوض والوصول الى حلول ووقف العدائيات وعدم التدخل في الشئون الداخلية لدولة الجنوب .. والأمر ذاته يراه أستاذ العلوم السياسية، د. عبدو مختار، الذي قال بان الأفضل للخرطوم ان لا تتخلي عن جوبا مهما تكون الأسباب وأن التفاوض يجب أن يستمر، وبحسب عبدو أن الطرفين سيتضرران من عملية عدم الوصول لاتفاق حول القضايا المتبقية الا أنه أشار الى ضرورة أن يكون هناك طرف أعقل من الآخر، وأضاف)) في اعتقادي ان الشمال يعد بمثابة الأخ الأكبر في علاقته مع الجنوب لجهة ان الأخيرة تحكمه نخبة قليلة الخبرة ولديها مشكلات داخلية كثيرة جعلها تفتقد الى الحكمة والعقلانية وهو أمر يحتم على الخرطوم التحلي، بالحكمة)). نقلاً عن صحيفة الأخبار 17/11/2011م