تحليل سياسي قامت الدنيا ولم تقعد داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة الميرغني، وخارجه أيضاً فى أروقة بعض قوى المعارضة السودانية لمجرد ان الحزب -لأسباب إرتآها- قرر تلبية دعوة الحزب الوطني الحاكم فى السودان بالمشاركة فى حكومة قاعدة عريضة. ردود الأفعال تراوحت داخل الحزب ما بين السخط وتقديم البعض لاستقالاتهم، وتوجيه البعض انتقادات بالغة العنف من داخل وخارج الحزب. الامر الجدير بالدهشة هنا بحق، ان قرار المشاركة هذا لم يأت على نحو مفاجئ حتى يثير كل هذه الضجة، فالكل يعلم ان الحوار ظل متصلاً منذ أشهر طوال بين الحزب والحزب الوطني؛ وقد كان من السهل للغاية من خلال متابعة المحادثات والمفاوضات استشفاف اتجاهات الحزب التى كان واضحاً فيها ميل الحزب للمشاركة. الامر الثاني الجدير هو ايضاً بالدهشة ان الحزب يشارك فى حكومة قاعدة عريضة فى وجود قوي وأحزاب أخري ومثل هذه الحكومات -وفق قواعد النُظم السياسية- تعتبر حكومات برنامج وطني، لها أهداف وموجهات قومية وتتخذ من التوافق السياسي فى اتخاذ القرارات ومعاجلة القضايا القومية والإستراتجية للبلاد وسيلة لها الأولوية فى طريقة عملها، وبالطبع ما مِن سياسي عاقل – يستشعر فى نفسه الشعور الوطني – يرفض أداء واجب وطني كهذا. هذا فيما يخص أهم أمرين أغفله الساخطون والناقمين على الحزب الاتحادي جراء مشاركته فى حكومة القاعدة العريضة. أما إذا شئنا تحليل طبيعة المشاركة على نحو موضوعي مجرد، فان من المهم ان نعي أولاً ان واحدة من اكبر أخطاءنا وخطايانا السياسية فى السودان على وجه الخصوص التمتمرس وراء قوالب وأنماط سياسية معينة بدون مبرر، فالقوى المعارضة وبعض قادة الحزب الاتحادي لا يزالوا على عقيدة سياسية بالية مؤداها ان النظم السياسية تنحصر فقط فى النظام البرلماني، حيث تجري انتخابات ويقوم صاحب اكبر نسبة فوز بتشكيل الحكومة سواء منفرداً أو مؤتلفاً أو أن تكون الحكومة انتقالية لحين إجراء الانتخابات المفضية لذات النظام البرلماني . لا يعرف القادة الحزبين - بغير هذين النظامين - نظاماً سياسياً آخر، إضافة الى الاعتقاد السائد بأن مجرد المشاركة فى نظام سياسي يعارضونه جريرة وجريمة كبري على خلفية إدعاء طهارة وطنية مزعومة يخصّون بها أنفسهم وحدهم! فيما عدا هذا التنميط والقولبة غير الموضوعية لن نجد مبرراً موضوعياً لهذه القوى فى رفضها المشاركة فى حكومة عريضة، وبالطبع ليس الأمر على هذه الشاكلة مقبولاً، ففي النهاية فان السياسة هى فن الممكن . ثانياً، هذه القوى الناقمة والناقدة من الضعف بحيث فشلت تماماً -لعقدين ونيف من الزمان- ولو فى خلخلة بنيان الحكومة القائمة دعك من تغييرها أو إسقاطها، وقد أقرّت هى نفسها بذلك الضعف والفشل غيرما مرة؛ فما هي خيارتها إذن وقد جرّبت وفشلت وتضاعفت حالة ضعفها بحيث صارت تثير الشفقة؟ ان الحزب الوطني- بصرف النظر عن المآخذ التى تؤخذ عليه - هو في النهاية حزب سوداني، لم يأت فاتحاً من خارج السودان ولم يكن فى حاجة لدعوة هذه القوى للمشاركة فى حكومة عريضة وفي يده تفويض شعبي عبر صناديق اقتراع ومن خطل الرأي ان تعجز هذه القوى عن مقارعته فى كافة الميادين ثم ترفض – بما يشبه العزّة بالإثم – العمل الى جانبه لصالح إعادة هيكلة وبناء الوطن!