اختفت تماماً عن الساحة السياسية في السودان عبارات المقاطعة و التأجيل التي كانت والى عهد قريب احدي خيارات، بل (أمنيات) بعض القوى السياسية السودانية خاصة تلك التي فعل فيها الزمن فعلته وتناوشتها سهام الزمان، وكاد أن يتجاوزها التاريخ. فقد كانت قوى ملتقي جوبا حتى من قبل أسبوع واحد تهدد بمقاطعة الانتخابات، وتجتمع وتنفض لتحدد موعداً تلو الموعد تقول أنها ستقرر فيه ما ذا كانت ستخوض الانتخابات أم تقاطعها، وكان الدكتور حسن الترابي زعيم المؤتمر الشعبي أول من نبه قوى جوبا إلى ضرورة أن تكون المقاطعة (شاملة) لان مقاطعة البعض وخوض البعض يفسد العملية بأسرها على حسب تقريره. ويعتقد عدد من المراقبين أن قوى جوبا في كل الأحوال – قاطعت أم خاضت – فأنها في الواقع لا تملك إستراتيجية موحدة – بل يعتبرون أن العلة الرئيسية لهذه القوى أنها منذ التقائها في جوبا لم تكن جادة ولا كانت تملك آليات قابلة للتطبيق والضغط، ولا كان ما يجمعها كافياً في حد ذاتها ليخلق منها (جبهة موحدة)، ويشير البعض إلى أن أسوأ ما علق بثوب ملتقي جوبا هو أن الحركة الشعبية دعت إليه (نية التكتيك) وليس بهدف إقرار إستراتيجية جادة للتحالف، ومع أن القوى المكونة للملتقي لا ينقصها الذكاء إلا أنها لم تمنع نفسها من (الجري وراء السراب) عسي ولعل أن يتحول هذا السراب بمعجزة إلى ماء. ولكن لما ضاقت المدة الزمنية وبدأ كل حزب يبحث عن ملاذ له، فان التحالف المفترض تلقائياً أصبح عديم الفاعلية، فقد اجتمع كل حزب وقرر تقديم مرشحيه، ولما كانت هذه القرارات المنفردة هي نفسها التي تخوف منها البعض إلا أن بعض قادة هذه القوى حاول أن يطمئن الباقين بأن الوقت لم يمضي بعد على إمكانية التحالف أو الاتفاق على مرشح واحد، وقد قال بذلك د. على الحاج محمد احد قادة المؤتمر الشعبي ولكن في الوقت نفسه فان المنطق يقول أن تنازل البعض عن الترشح لصالح بعض آخر فيه صعوبة، ثم أن اتفاق الكل على مرشح واحد بعد إجراء التنازلات هو أيضاً أشد صعوبة، والسبب بسيط، فكل حزب يود معرفة وزنه بين جماهيره، وكل حزب يمني نفسه بأن يجد ذات جماهيره ومعاقله القديمة كما هي، بل لا نبالغ أن قلنا أن أحزاب جوبا لديها (حلم) كل على حدا بأن تحرز نجاحات تحكم بموجبها البلاد (بمفردها)! وهو حلم قال به زعيم حزب الأمة القومي السيد الصادق المهدي وقال به أيضاً القيادي المنسلخ عنه الذي يقود الإصلاح والتجديد مبارك الفاضل، فأمثال هؤلاء الذين لا يزالوا على قناعة راسخة بان لديهم جماهيرهم التي ستحملهم إلى مقاعد السلطة لا يستطيعوا أن يقدموا منازلات (مجانية) لآخرين. وهكذا فان فرضية مقاطعة الانتخابات يمكن القول انها تبخرت الآن فعلياً ولم تعد متداولة في الساحة السودانية وفوق ذلك فان إمكانية توافق قوى المعارضة على مرشح واحد لمنازلة الرئيس البشير لم تعد هي أيضاً ممكنة في ظل مخاوف القوى المعارضة من أن تذوب وسط هذا الشتات أو أن تسقط في نظر جماهيرها بارتضائها السير خلف آخرين بعد أن كانت تضع نفسها في المقدمة. لكل ذلك فقد بات من المفروغ منه قيام الاستحقاق الانتخابي في موعده وفي الوقت نفسه لا سبيل للتهرب، أو البحث عن ملاز!