طفقت الاختلافات تعصف بتحالف قوي الإجماع الوطني المعارض و بأسباب ومسببات عدة كما طفت على السطح بوادر أزمة بين مكونات تحالف المعارضة (حزب الأمة القومي والمؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي) ظهرت بوادر تلك الأزمة جلياً بين جنبات دار حزب الأمة وهو المقر الدائم لحزب الأمة القومي الكائن بضاحية أم درمان ومن خلال تظاهرة اعتصامية أقيمت يوم السبت الماضي، حيث انسحب المسئول السياسي للمؤتمر الشعبي (كمال عمر) ورئيس الهيئة العامة للتحالف المعارضة (فاروق أبو عيسي) وقد كان من المقرر أنه وبحسب برمجة التظاهرة ان يلقي الأخيران خطابان كل على من يمثله أمام الحشد الجماهيري. المنسحبين أرجعوا انسحابهم احتجاج على خطاب رئيس حزب الأمة القومي السيد الصادق المهدي الذى انتقد فيه الأخير زيارة رئيس دولة جنوب السودان الوليدة (سلفا كير ميارديت) الى تل أبيب معنفاً فى الوقت نفسه حكومة الجنوب ورأى أن من فكر فيها (خائن وشيطان) على حد قوله مبيناً ان الزيارة الي تل أبيب ستحول طبيعة المنطقة الى مواجهة عربية إسرائيلية وتقطع العلاقة بين الشمال وجنوب أفريقيا، وقال المهدي أنه مع حق الدولة الوليدة إنشاء علاقاتها الدبلوماسية ومؤكداً ان زيارة سلفا كير لتل أبيب ليست غريبة وإنما الغرابة فى توقيتها والصورة التى تمت بها منوهاً الى أنها جاءت بعد زيارته الولاياتالمتحدة ومنوهاً فى الوقت نفسه ومحذراً تحالف الجبهة الثورية من استخدام الجنوب كمنصة لتغيير النظام فى الخرطوم عبر العمل المسلح لتسبب تلك الخطوة فى نشوب حرب بين الدولتين وعرقلة عملية التغيير، وقال المهدي ان القوى السياسية المعارضة تحتاج الى نظام جديد وأن عليها الاتفاق على أجندة وطنية ومن ثم تحديد الوسائل لتغيير النظام . ومن خلال الخطاب وبين طيات كلمة رئيس حزب الأمة تدور دوائر كثيرة ومتعددة حول مدلولات لفظة (الخائن والفكرة الشيطانية) وماذا قصد بها رئيس حزب الأمة ومن المقصود باللفظة؟ ولا يختلف رجلان حول شخصية المهدي المعروف عنه هوسه بالظهور والإعلان دائماً عن آراءه وأطروحاته الفكرية لكن الإمام المهدي وخاصة بعد أن فقد الكثير من حشود وجماهير كانت تناصره بالأمس فى كل أقاليم دارفور وكردفان والرجل أصبح يتداعي فكرياً، لكنه أعاد اللفظة والإستدلالة المعنوية فى كلمات مثل الخائن والفكرة الشيطانية، يكون قد أثر الغبار على علاقاته مع الأحزاب وخاصة حزب المؤتمر الشعبي الذى أنتقد وبشكل صريح مشاركة إبن زعيم الأمة والأنصار (عبد الرحمن المهدي) ورغم ان تبريرات المهدي لم تشفع له لإرضاء أصهاره، المهدي أراد من خلال خطابه تلمس بعض الخيوط لتجميع ما وصله من معلومات حول اللعبة التى تجري من خلفه وهى لعلها العلاقة المشبوهة بين المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي وما يدور تحت منضدة تحالف قوى الإجماع (الوطني) وخاصة أنه أثير حول شخصيات ورجال التحالف وبالأخص فاروق أبو عيسي وإبراهيم السنوسي، حول أن الأول دائماً ما يتجول طارقاً أبواب السفارات الأجنبية لاستجداء ما تجود به الأيدي الناعمة الخشنة، وأصحاب الأجندات ملغومة، ومن زوايا أخري وفى نفس إتجاه الذى اتخذ الإمام للضرب المعنوي يبدو أن لفظة الفكرة الشيطانية لم تستهوى (كمال عمر) خاصة بعد أن أكد زعيمه الشيخ حسن عبد الله الترابي فى أكثر من سانحة أنه ربما يمكنه ان يتعاون مع الشيطان نفسه فى سبيل اقتلاع النظام الحاكم فى الخرطوم وتغييره، ومزيداً فى معاون تحليل وضع التحالف يبدو أن فكرة الصادق المهدي فى إصلاح النظام لا تغييره تعيد ترتيب أولويات الخلافات بين أطراف التحالف الذى لم يجتمع على شيء إلا و أفسده شكلاً ومضموناً. و أخيراً يبدو الى حد ما أن القصد قد أصاب مرمي الهدف وأن كلمات المهدي لم تستهوي قادة التحالف المعارض وتركيزه حول دواعي خيانة السلطان بغرض استحباب قوى الشيطان.