فقط من باب إختبار المعايير الدولية فى التعامل مع الأحداث التى تجري فى العالم نضع السؤال الملحّ التالي: لماذا يغض المجتمع الدولي بأسره - بما فى ذلك الأممالمتحدة الموجودة فى قلب الحدث - الطرف عن أبشع إبادة جماعية موثقة تجري حالياً فى دولة الجنوب، وتحديداً فى ولاية جونقلي تستهدف قبائل المورلي. إن قلنا إن المجتمع الدولي تنقصه المعلومة، فهذا محض هراء، إذ أنَّ عشرات وكالات الأنباء والصحف والفضائيات أوردت القصة وأقرَّ بها مسئولون حكوميون جنوبيون. أحدهم أقرّ بأن مدينة كاملة فرَّ كل سكانها من المورلي بحيث عادت مدينة أشباح! وإن قلنا إن الأدلة غائبة فدوننا هذا الإقرار الحكومي الجنوبي. إذن هل الأمر يتصل بفرضية ما بات متعارفاً عليه فى أدبيات العلاقات الدولية الحديث (الكيل بمكيالين) و (إزدواجية المعايير)؟ نقول ربما، ولكن ذات هذا الازدواج فى الآونة الأخيرة أصبح هو نفسه إزدواجاً مزدوجاً، بحيث أصبح المجتمع الدولي الذى يمارس هذه الازدواجية ، يمارسها حين لا يتسع الخرق ولا تخرج الأمور تماماً عن السيطرة وإلا فهو – مكرهٌ لا بطل – مضطر للتحرك. تشير متابعات (سودان سفاري) فى هذا الصدد، الى قصة حزينة حقاً من المحتم أن تتقطع لها نياط القلوب ولك أيها القارئ العزيز أن تتصور أنَّ 800 جندي من جنود الأممالمتحدة العاملين فى مهمة حفظ السلام فى جنوب السودان يقفون متفرِّجين - وربما بشيء من المتعة - وتجري أمام ناظريهم عملية مطاردة بالغة العنف من شباب قبيلة اللانوير لقبائل المورلي، تصل المطاردة التى يحمل فيها شباب اللانوير السواطير والأسلحة النارية والحراب المسمومة الحادة الى درجة أن القرية موضع المطاردة تخلو تماماً – فى لحظات – من أى طفل أو امرأة أو عجوز أو شيخ هرم، وهم ما بين قتيل وجريح، أو فارّ ، وإمعاناً فى الإبادة فإن شباب اللانوير يشعلون النار - بضراوة - فى القرية لقطع الطريق تماماً على أى مختبئ أو عائد إليها فى المستقبل! عمليات الحرق والتدمير الشاهد الأبرز عليها جنود الأممالمتحدة بخوذاتهم الزرقاء المميزة وبجانبهم إصطف عدد من أفراد الجيش الشعبي التابع لحكومة جنوب السودان والجميع يستمتع بالمشهد الذى يستحيل على المتفرج السينمائي أن يمعن النظر فيه على ذلك النحو دون أن تهتزّ كل شعرة فى جسمه. وفى جنوب شرق البيبور كان هنالك مشهد أكثر سوءاً وتراجيديا حيث قضي150 شخص غالبهم من النساء والأطفال على النهر الذى يمرُّ بمنطقة (فيرتت). وقبل أن يصل شباب اللانوير لهذه المنطقة كانوا قد احتفلوا بحرق منطقة (ليكا نقولي) التى تبعد بأميال قلائل عن فيرتت. أما الأمر الأكثر مدعاة للإستغراب أن المورلي ليسوا هدفاً لقبيلة اللانوير وحدها. أشارت الأنباء ومتابعات (سفاري) الى أن قبائل الدينكا - خاصة دينكا بور - عقدت تحالفاً مع اللانوير لمتابعة المهمة على نحو مشترك، بحيث توجه الجميع الى ليكا نقولي فى 27/12/2011 وهم حوالي 6 ألف مهاجم ليسقط فى أولي لحظات الهجوم حوالي 500 قتيل من المورلي. ما من شك ليست هناك عمليات إبادة جماعية أكثر من هذه الأحداث الجارية تحت سمع وبصر العالم، لكن لا أحد يوجّه انتقاداً دعك من أن يوجه إتهاماً ؛ ولم يتسنَّ سماع صوت الأممالمتحدة – المتفرجة – على الأحداث وهى تطالب بإجراء تحقيق على الأقل، أو التدخل لوقف الإبادة الجماعية. إن مربط الفرس فى هذا الصدد، أن الأممالمتحدة فقدت المبررات الأخلاقية والقانونية فى اتهام السودان أو غيره بجرائم حرب وإبادة جماعية، فهاهي الأحداث تجري أمامها وهى جزء منها وما من حِراك!