الشاب الجنوبي "ستيف" عندما توجه في أحد أيام شتاء عام 2010 الي إحدي المراكز التابعة لمفوضية إستفتاء جنوب السودان المنتشرة بالعاصمة القومية الخرطوم (آنذاك) لتسجيل إسمه في كشوفات الناخبين، لم يكن يعلم حينئذٍ أنه بدأ أول خطوات النهاية للحلم الجميل الذي كان يراوده هو وأترابه وملايين من "الغلابة" والمواطنين العاديين من أهلنا من أبناء وبنات جنوب السودان ألا وهو حلمهم بالعيش الهانئ الكريم والأمن في دفء "الدولة المستقلة" بولايات جنوب السودان العشرة آنذاك. كان "ستيف جون" وهو أحد أبناء قبيلة النوير شب وترعرع بإحدي ضواحي مدينة الخرطوم بحري، حيث نزح إليها والده وأسرته في أوائل التسعينات من القرن الماضي بعد إشتداد المعارك والمعاناة وأنهار الدم بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان. بداية تحقيق الحلم في مثل هذا اليوم التاسع من يناير من عام 2011 توجه ملايين من أبناء الجنوب نحو مراكز الإقتراع بجوبا وملكال و واو و رمبيك وتوريت وسائر مدن وقري الجنوب ليدلوا بأصواتهم في إستفتاء علم أغلبية الناس نتيجته الحتمية حتى قبل بدايته كما صوت عدد من أبناء الجنوب المقيمين بمدن السودان بالذات الخرطوم ومدني وبورتسودان حيث الكثافة السكانية الأعلي لمواطني الجنوب بالمدن وأوغندا والولايات المتحدة. "الشمالية" في ذات الإستفتاء وشاركهم عدد من الجنوبيين ببعض دول المهجر هي استراليا وبريطانيا وكندا ومصر وإثيوبيا وكينيا ترهيب الناخبين وحسب الإحصائيات الرسمية المنشورة لمفوضية الإستفتاء كان العدد الكلي للذين سجلوا أسماءهم في كشوفات التصويت 3 مليون و947 ألفاً و676 ناخباً، وكانت فترة التسجيل للاستفتاء ممتدة من الثامن من نوفمبر الي الأول من ديسمبر من عام 2010، وقالت إحدي موظفات مفوضية الإستفتاء طالبة عدم ذكر إسمها . ان العدد الكلي للجنوبيين الذين يحق لهم التصويت كان 5 ملايين، وسجل غالبية أبناء الجنوب ممن يقطنون الجنوب للإستفتاء إلا ان الأمر كان مختلفاً بالنسبة للجنوبيين بالمدن الشمالية، وتقول طبيبة من الجنوب، من قبيلة الاشولي، التي ما زالت تقيم وتعمل بالخرطوم مع أسرتها: ان بعض منسوبي الحركة الشعبية مارسو نوعاً من"الترهيب" علي الجنوبيين بالشمال بالذات الخرطوم، وذلك لكيلا يسجلوا أسماءهم في كشوفات المفوضية، وقالت الطبيبة التي رفضت أيضاً ذكر اسمها ان ما أعلنته مفوضية الإستفتاء إن العدد الكلي للجنوبيين بالشمال هو 500الف هو "امر يثير الضحك" وذلك لان أهل الجنوب في الخرطوم فقط "أكثر من ذلك بكثير جداً" . تصويت خفي للوحدة ويقول أعداد كبيرة من أهل الجنوب الذين ما زالوا يقيمون بمدن الشمال أنهم لم يسجلوا في كشوفات المفوضية في فترة التسجيل أواخر عام 2010، وبالتالي لم يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الإستفتاء، ويقول أحدهم ويعمل بوظيفة مرموقة بشركة كبري معروفة، ساخراً بلغته الإنجليزية التي يجيدها إن رفضهم للتسجيل والتصويت هو Asecret" vote for unity "أي أنه "تصويت خفي من أجل الوحدة". وتتفوت التقديرات لأعداد الجنوبيين الذين ما زالوا بالشمال بين 500 ألف وأثنين مليون ولكن موظفة المفوضية رجحت أن يكون الرقم أقل من مليون بقليل. من ناحية أخري صوت غالبية الناخبين لصالح الإنفصال وذلك بنسبة 98% ولم يصوت للوحدة سوي 44 ألفاً و888 شخصاً! إنهيار الحلم فجعت أسرة "ستيف" الذي صوت للإنفصال وذهب للجنوب هو وإخوته بخبر وفاته بالعاصمة جوبا، كان "ستيف" أحد ضحايا القيادة المتهورة للسيارات الفارهة التي يمتلكها "أثرياء الجنوب الجدد". ولم تكن أسرة "ستيف" الوحيدة التي فقدت إحدي فلذات أكبادها فقد إنتشرت الصراعات المسلحة والتناحر القبلي وكان أخيره وليس أخره الهجوم الكاسح لمسلحي اللاونوير علي مناطق قبيلة المورلي وفشل الجيش الشعبي وقوات الأممالمتحدة في حماية المدنيين، كما تتفاقم وتتعقد الأمور بين شقي السودان. بعد عام إذن علي بداية الإستفتتاء لم يهنأ غالبية أهل الجنوب بدولتهم المستقلة عدا القلة القليلة من المتنفذين بالحزب الأوحد بالجنوب، ويقول الأستاذ حامد عثمان رئيس منتدي أم درمان الفكري ساخراً يبدو أن "ناس الحركة الشعبيةإتعلموا وإحترفوا فنون الفساد والإفساد من معلمين كبار في هذا المجال". نقلا عن صحيفة التيار9/1/2012