من المنتظر وفق ما هو مقرر أن تلتئم يوم غداً -الثلاثاء- بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا المحادثات السودانية – الجنوبية لبحث ما بات يُعرف بالقضايا العالقة بين البلدين وهى الجولة الخامسة على وجه التقريب التى يعقدها الطرفين فى ظل عدم إحراز أي تقدم فى الجولات السابقة. وتبدو الحكومة السودانية من جانبها غير متفائلة كثيراً بتحقق أى تقدم فى هذه المحادثات حيث عزا البروفسير إبراهيم غندور المسئول الإعلامي بالحزب الوطني صعوبة تحقيق تقدم الى ما أسماه (لودر الحرب) في إشارة الى المفاوض الجنوبي المتصلّب المواقف باقان أموم والذي عُرف عنه إثارة الأزمات بين الجانبين جراء المواقف المتعنتة والإستفزازية – حسبما تقول بذلك الحكومة السودانية – ويقول البروفسير غندور إنه وحسبما توفر لديهم من معلومات فإن دولة جنوب السودان وبمساندة كاملة من الولاياتالمتحدة تسعي لنقل هذه القضايا الى مجلس الأمن بغية ممارسة أقصي قدر من الضغوط على الحكومة السودانية لإرغامها على تقديم تنازلات. وتشير متابعات (سودان سفاري) أن القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان ما كان لها أن تصل الى هذه الدرجة من التعقيد لولا أن الجانب الجنوبي - مسنداً ظهره الى قوى دولية - يراهن على أخذ كل شيء دون تقديم أدني شيء! وقد أدركت الحكومة السودانية هذه الحقيقة فى آخر جولة إنعقدت فى نوفمبر من العام الماضي حيث كان المفاوضين الجنوبيين يبدون غير مبالين بمناقشة القضايا المدرجة فى جدول المحادثات بالصورة المتعارف عليها، وقال الدكتور صابر محمد الحسن الذى كان ضمن وفد المفاوضات حينها ممثلاً للجانب الحكومي إن المفاوضين الجنوبيين – سواء لدواعي قلة الخبرة أو لسوء النية – ظلوا يطرحون أطروحات بعيدة عن النقاط والقضايا المطروحة، وأوردَ لذلك مثالاً فحواه أنه وحين كان يجري النقاش حول النفط كان المفاوضين الجنوبيين يشيرون الى قضية أبيي! وغير بعيد عن ذلك ما ظل يطرحه المفاوض باقان أموم من أن بلاده ستدفع أموالاً للسودان للتخلي عن أبيي وهو على علم أن طرحه غير واقعي. كما إتضح أن عرض المال من أجل مقايضة أبيي إنما هو عرض فى حقيقته (وهمي) إذا صحَّ التعبير، إذ أن الجانب الجنوبي يقول ذلك بلسان قوي دولية معنية تلوِّح للسودان بإصلاح أوضاعه الاقتصادية عبر صندوق النقد الدولي بمجرد وعود يعلم السودان – من تجارب عديدة سابقة – أنها وعود أوهي من السراب! إذن مجمل ما يمكن استخلاصه من المعطيات الماثلة بشأن هذه المحادثات أن الجانب الجنوبي يبدو غير جاد بشأن حلحلة هذه القضايا وعلى أحسن الفروض فهو يراهن علي تدخل دولي من جانب واشنطن على وجه الخصوص لأخذ كل شيء بدون تقديم أى شيء فعلي ملموس. ولعل مردّ هذا الموقف الجنوبي شعور قديم متجذِّر فى نفوس بعض القادة الجنوبيين - أسطع نموذج له أموم - بأن من الضروري أن (يقتص) الجنوب من السودان جراء كافة المظالم التاريخية التى يعتقد هؤلاء القادة أن السودان ألحقها بهم منذ الاستقلال، صبيحة الأول من يناير 1956م. ولعل هذا يفسر إصرار الجانب الجنوبي على عدم التزام الجدية فى المباحثات ومن جانب آخر إصراره ايضاً على دعم الحركات المسلحة الموجودة حالياً فى دولة جنوب السودان مع علمهم أن هذا الدعم وخلخلة استقرار السودان يقلل من فرص إبداء الجانب السوداني لأدني قدر من المرونة. بإختصار تريد جوبا أن ترغم الخرطوم بشتى السبل – بما فى ذلك السبل الملتوية غير الواقعية – لرد المظالم التاريخية عبر التخلي عن أبيي والتخلي عن أجرة النفط والتنازل – الى أقصي مدي – عن أى حق من حقوق السودان حيال الجنوب؛ وهى على أية حال مراهنة مستحيلة التحقق، ولكن قادة الحركة الشعبية يراهنون على ذلك غير آبهين بتقلبات الرياح والمناخ السيئ فى بلادهم الذى أحالها الى نهر من أنهار الدماء!