لعل من حسن حظ المؤتمر الوطني أن يواجه الاختلاف حول بعض المرشحين لمناصب الولاة مبكرا.. فالمشكلة ذاتها تنتظر الأحزاب الأخرى على أحر من الجمر، فهي مشكلة متأصلة في مسرح السياسة السوداني.. الجهويون والمتعصبون ينظرون دائما بشكل جزئي للقضايا الكلية.. الحوار الذي (احتدم) من قبل في أروقة المؤتمر الوطني في كافة المستويات على امتداد البلاد،صعودا حتى المؤتمر العام فضلا عن الشورى والمؤسسية التي لازمت (طبخة) الترشيحات جعلتها مستساغة ومقبولة من الجميع،إلا من قبل بعض الجهويين أصحاب النظرة الضيقة وربما المتعصبين.. الجدل والاحتجاج الذي صاحب ترشيح بعض الأسماء بدأ يتوارى بعد قيام المؤتمر الوطني بتحركات سريعة ونشطة عملت على خفض درجة التوتر.. ولم تعد تلك الاحتجاجا أكثر من أنها زبعة في فنجان. التجربة السودانية السياسية مكبلة بثقافة قبلية متجذرة تعلي من شأن القبيلة ويزيد من تعقيداتها فسيفساء القبائل التي تشكل التركيبة السكانية في البلاد.. قديما قال ابن خلدون في مقدمته إن: «الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب قل أن تستحكم فيها دولة، والسبب في ذلك اختلاف الآراء والأهواء، وأن وراء كل رأي منها هوى وعصبية تمانع دونها فيكثر الانتفاض على الدولة والخروج عليها في كل وقت». ونحن في السودان وبعد تجاربنا الثرة عبر السنوات التي أعقبت الاستقلال لن ندخل في إطار مفهوم ابن خلدون للدولة بمفهومها التقليدي حيث يمكن أن نقول بكل ثقة أننا تجاوزناها.. فقد تحدث ابن خلدون عن الدولة بمعناها التقليدي، أي احتكار عصبية معينة للحكم والسلطان، ولم يكن في ذهنه، المفهوم الحديث للدولة من حيث إنها إطار ينظم علاقات الاختلاف والتعددية. والحقيقة أن هذا المفهوم (مفهوم ابن خلدون) ما يزال هو السائد والمهيمن والمطبق في محيطنا الإقليمي، بالرغم من مؤشرات الحداثة والتحديث السطحية والهشة في ذات الوقت، التي تخفي تحتها جذور الدولة السلطانية التقليدية. لكن ما يثير اشفاقنا وقلقنا أن كثيرا من الأحزاب تموج في داخلها بمفهوم ابن خلدون للدولة التقليدية.. نسمع ونعايش الكثير جدا من الخلافات حين تجرؤ على تقديم مرشحيها في كافة مستويات الحكم.. التجارب السابقة شهدت تفلتات كثيرة أضرت بالعملية السياسية وأقعدت تلك الأحزاب عن القيام بدورها السياسي.. الأحزاب مسئولة بالتأكيد لأنها لم تنظم نفسها ولم تعتمد الحوار والشورى، وأكثرها عبارة عن واجهات وأسماء (تاريخية) ولا تستند على أطر وهياكل حقيقية، وبالتالي فإن قدرتها على كبح التفلتات المتوقعة ستكون معدومة على الأرجح.. إذا سنستمتع بالكثير من الأفلام الهندية وسنرى عجبا. نقلاً عن صحيفة الرائد 18/1/2010م