يشغل الرأي العام السوداني هذه أيام قضايا كثيرة ولكن تأبي المعارضة السودانية السياسية إلاّ أن تدخل دائرة الضوء بما تثيره من أطروحات فكرية وسياسية وأحياناً دينية كما سوف نتعرض له. انطلقت فى منتصف الأسبوع الماضي مناوشات فقهية على خلفية مجموعة من الفتاوي أطلقها الزعيم السياسي إمام طائفة الأنصار ورئيس حزب الأمة فى لقاء له مع شباب الحزب والأنصار. هذه الفتاوي جلبت الى المشهد السوداني العديد من الرؤي وإستحالت الى حرب ضروس على إثر هذه الفتاوي . هذه الازمة فى داخل أواسط الساحة الدينية بدأت بعد أن أفتي المهدي بجواز حضور النساء لمناسبات عقد الزواج شاهدات، وتشييع الموتى مشيّعات إبتغاء للثواب ؛ كما اعتبر اصطفاف النساء خلف الرجال فى الصلاة مجرد عادة! كل تلك الفتاوي أثارت حول الرجل تصريحات جرت حد إستتابته وأتهم الرجل بالكفر والزندقة لمخالفته الثوابت الدينية كما وصفه البعض. غير أن فتاوي الإمام هى عبارة عن إلقاء حجر فى بركة راكدة خاصة وأن الساحة السياسية السودانية كانت حبلي بمفاجآت مثل انفراط عقد شراكة التحالفات المعارضة. والرجل يواجه عدة تحديات أولها خطر فقدان السيطرة على شباب حزبه الذين كشفوا عن نيتهم تقديم مذكرة للإصلاح الى المهدي يقف على رأس مطالبها مساعد الرئيس ونجل الإمام وهو عبد الرحمن المهدي وفصله من الحزب. وعلاوة على تبيان للخط السياسي للأمة القومي فلا هم يعارضون معارضة واضحة ؛ ولا هم يتفقون مع الحكومة السودانية؛ ومذكرة الشباب تلك تعبر بجلاء عن حجم الخلافات المتصاعدة داخل مكونات حزب الأمة نفسه وحول الخيارات حزب فى التعامل مع المعطيات السياسية. فتاوي المهدي ربما صبّت كلها فى جانب المرأة وحقوقها وربما كان الإمام يريد إقحام المرأة فى إمام الأنصار وهو يريد ترشيح إبنته للوراثة السياسية داخل الحزب وذلك تمهيداً للأخذ بحقوقها كما أشار هو الى ذلك . من ناحية ثانية فإن القادة السياسيين الذين يتقمصون شخصية رجل الدين والسياسة درجوا على إصدار الفتاوي الدينية بين كل فترة وأخري كي يحافظوا عل مكانتهم الدينية وأن المهدي لم يكن أول السالكين لهذا الطريق، بل سبقه الى ذلك د الترابي ايضاً حيث جوَّز صراحة فى وقت سابق إمامة المرأة. وربما أراد المهدي من تلك الفتاوي شغل الناس عن القضايا السياسية بفعل المنطق السياسي الذى ينطلق هو منه وخاصة أنه يعاني من ضبابية فكرية وطرحاً لقضايا رئيسية فيلجأ كبديل الى طرح الفتاوي كهروب معلن لا يخفي على بصيرة اى مراقب. الفتاوي وإطلاقها هى لإضافة المزيد من الزعامة الدينية للتوافق مع الزعامة السياسية، فالمهدي والترابي على حد سواء إن لم يقحم أمور الدين سيكون وضعهمها كقيادة غير مكتمل فالمهدي كإمام ورئيس حزب سياسي لووجه بضعف فى جانب من جوانب (القيادة سيلجأ الى تقويته بالجانب الآخر. ولا يستطيع اى من تلك القيادات عن مبارحة أو خلع العباءة الدينية والابتعاد عن إصدار الفتاوي لأنها هى التى دلفوا منها الى بوابة السياسة . وإذا حاولنا الدخول على عوالم شخصية مثل شخصية المهدي فهو رجل كما وصفه العديد من السياسيين لا يقدر على مفارقة الظهور الإعلامي وربما قصد الرجل بفكرته معرفة ما سوف ينجم عن هذه الفتاوي من حجم وتشكيل لمعرفة أدائه أو الثقل للكسب الجماهيري بعد وحس دعم ديني لستار سياسي فقده فى الآونة الأخيرة بعد المشاحنات التى أعلنها مع تحالف العارضة وربما هى فاتورة سياسية مدفوعة للأصدقاء من اليسار التى تثلج صدورهم مثل تلك الفتاوي ولكن هذا الرأى ربما لا يكون الراجح . يبقي إذا أن الرجل أثار اللغط و(الغلط) السياسي فى الساحة الدينية وشغل الرأي العام بقضايا خلافية ليس إلا متدثراً بالعباءة السياسية.