يمكننا القول دون تردد : لا أحد. فالأزمة عميقة الجذور والتحالف حتى بشهادة مكونيه هشّ وضعيف. أزمة قوي المعارضة البادية على السطح هى أزمة ثقة سياسية بكل ما تعنيه العبارة وبأقصى درجات الدقة. فأحزاب اليسار عموماً (الشيوعي والبعث) لديها إدراك تام بإستحالة حصولها على قبول جماهيري عام سواء لسوء تاريخ بعضها، أو لضعف سندهم الجماهيري أو لإرتباطها بآفاق دولية تقطعت بها السبل وغابت عن المسرح الدولي العريض. الأحزاب (الشعبي، والأمة القومي) لديها (هواجس) قديمة من هذه الأحزاب سواء فى حقبة مايو وما شهدته من أحداث أو حتى حين كانت هذه الأحزاب حاكمة وقوي اليسار معارضة. من هنا الآن يتفاقم الصراع حيث يحاول كل طرف السيطرة علي زمام القيادة، ولعل الأمر المثير حقاً للإستغراب فى هذا الصدد أن هذه القوى المعارضة مجتمعة تعلم علم اليقين أن مهمتها التى أخذتها على عاتقها بإسقاط الحكومة تبدو فى حكم المستحيل سواء بسبب فقدانها للتجاوب والنبض الجماهيري أو لسبب تجربتها المريرة للعمل المسلح بشتى أشكاله دون أن يحقق أدني نتيجة. ومع ذلك ورغم هذا اليقين فإن هذه القوى تتصارع وتختلف حول من يرأس تحالفها؟ ولعل التساؤل الجدير بالتأمل هنا، هو ما جدوي رئاسة التحالف ما دام أن الهدف نفسه عزيز المنال؟ إذ أنّ الهدف من التحالف ورئاسته هو توجيه العمل المعارض لتحقيق أهدافه المرجوة، فإذا كانت الأهداف المرجوة عصية على التحقق وصعبة المنال فما فائدة رئاسة التحالف والتشاكس بشأن رئاسته؟ إن هذه الأزمة – فى حد ذاتها – تكفي لزيادة القناعة الجماهيرية بأن مكونات قوي المعارضة هذه لا تستحق منحها الثقة لتصبح بديلاً للسلطة الحاكمة، ولكن ليس هذا ما رمينا إليه، ففي النهاية ليس هنالك من يراهن على قوى معارضة بلغت هذا القدر من الضعف السياسي والتنظيمي لدرجة أن قياديين عرقيين منهما، (الترابي والمهدي) أحنيا هامتهما (لفصيل يساري صغير) ليمنحاه شرف الصلح بينهما! غير أن هنالك نتائج مدمرة لهذا الوضع على مجمل الوضع السياسي فى البلاد؛ فمن جهة ، فإن المشهد السياسي العام سوف يبدو (لمن لا يعرف) وكأنه فى حالة احتقان، وهى صورة زائفة وغير حقيقة خاصة بعدما تبيّن حجم الرغبة فى المشاركة فى حكومة القاعدة العريضة والتي تجاوز عدد المشاركين فها ال17 حزباً سياسياً حتى الآن . من المؤكد أن أى مراقب منصف عليه أن يمعن النظر جيداً فى هذه الحقيقة إذ لا يستقيم عقلاً أن تضم حكومة، هذا القدر من القوى السياسية ويوصف الحزب الوطني بأنه يدير نظاماً شمولياً ولا بُد من إسقاطه! ومن جهة ثانية وهى مترتبة على الأولي، فإن قوي المعارضة بخلافها المتواصل هذا ورفضها الاعتراف بالواقع السياسي الماثل يزيد من إنهاك قواها ويضعف بسمعتها الخارجية على ضآلتها ، الذي يملأ الدنيا ضجيجاً وتوعُد بإسقاط (حكومة عريضة) من المؤكد أنه سوف ينهك ما تبقي لديه من قو ة وسرعان ما يبدأ بإثارة سخرية العالم من حوله . ومن جهة ثالثة فإن بقاء قوى المعارضة على هذه الحالة – حالة الخلافات والمشاكسات والتهديد والوعيد – سيجعلها تتفاجأ بالانتخابات العامة، فلا هي أسقطت الحكومة ولا هي أعدت نفسها واستعدت لتلك الانتخابات! خلاصة الأمر أن قوى المعارضة – للأسف الشديد – ليست فى وضع يجعلها تتمكن من حسم خلافاتها وسيظل كل سياسي منهم (زعيماً) للمعارضة الى أن تقرر بشأنه سنن الحياة المعروفة غياباً أو رحيلاً أو عودة الى الجادة!