رغم أن الخرطوم وجوبا يؤكدان بشكل عام أنهما لن يلجآن للحرب وسيعملان علي تجاوز أزمتهما عن طريق التفاوض، إلا أن الأمور لا تسير بذات النفس البارد علي أرض الواقع مما سيقود لتصادم بين الطرفين سيكون أثره أكبر مما سبق وسيأخذ طابعاً دولياً يمتد إلي خارج الحدود. وقد انتبهت قيادات المنطقة لهذه النقطة وحزرت من العودة لمربع الحرب. وقال رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي علي هامش قمة الإيقاد الأخيرة: "نحذر من عواقب مروعة لأفريقيا إذا عاد السودان للحرب"، وأضاف: "مثل جميع سيناريوهات يوم القيامة فإن العودة للحرب مروعة بدرجة لا يمكن توقعها، لهذا يتعين علينا فعل كل شيء في استطاعتنا لمنعها من الحدوث، لأن البديل سيكون بالغ التدمير ليس للسودان أوللقرن الإفريقي فحسب بل للقارة بأكملها"، لكن ملس استدرك إن الحرب الشاملة محتملة وليست محتمية. تقديرات زيناوي تبدو صحيحة لحد كبير، فعودة الحرب بين الخرطوم وجوبا لن تكون كسابقتها مجرد حرب بين قوات نظامية وعناصر متمردة، بل ستتغير آلياتها وطرائقها وأهدافها. غير أن الناطق الرسمي للقوات المسلحة الصوارمي خالد سعد يقول إن قرار الحرب بيد المؤسسة السياسية، وان الجيش لا يتحرك إلا بناءً علي تعليمات سياسية. وأضاف الصوارمي دون أن يخوض في أي تفاصيل عسكرية إن الترتيبات والخطط العسكرية في حال الحرب توضع وفقاً لما يجري علي أرض الميدان. ويري الخبير العسكري عميد ركن معاش حيدر بابكر المشرف إن الحرب القادمة في حال قيامها ستكون أشمل من حيث مسرح التعليمات، أنواع الأسلحة المستخدمة ، نوعية المقاتلين، والبعد الخارجي. ويضيف أستاذ التكتيك السابق بكلية القادة والأركان المشرف في ورقة بعنوان: (جنوب السودان – الحرب الثالثة تطرق الأبواب) رسم فيها سيناريوهات اندلاع حرب بين الخرطوم وجوبا بعد انفصال الأخيرة. ومضي المشرف في تفصيل حديثه أكثر وقال إن مسرح العمليات القادم لن يقتصر علي حدود جنوب السودان المعروفة في 1/1/1956م حيث ستتسع رقعة الصراع المسلح لتشمل دارفور الكبرى وجنوب كردفان والنيل الأزرق وربما شرق السودان وهي مساحة من الأرض تعادل 65% من مساحة السودان الجغرافي الحالي. وفي ذات الوقت يلفت المشرف إلي أن الشمال الجغرافي لن يكون بمنآي عن الحرب القادمة فقد انتهت والي الأبد قدرة الشماليين علي إبقاء الحرب في مسرح العمليات الجنوبي بما في ذلك سياسات"جنوبة الحرب" من خلال استقطاب قوي سياسية أو قبلية جنوبية للاشتراك في الحرب مع الشماليين كقوات (صديقة) كما أن انسحاب القوات المسلحة السودانية من الجنوب حسب اتفاق نيفاشا قبل عامين من الاستفتاء قد نقل الحافة الأمامية لميدان المعركة من قري ومدن وسهول وتيجان الجنوب إلي شمال خط عرض (12) وبالتالي أصبحت مدن الوسط الغربي والأوسط والشرقي بدءاً من نيالا والأبيض وكوستي وسنار والقضارف ضمن مدن طيران ومدفعيات جيش دولة الجنوب القادم والذي حصل بالمقابل علي ميزة تعبوية جديدة بإضافة عمق دفاعي كبير يمتد من حدود الشمال الجنوبية إلي أقصي جنوبالولاياتالجنوبية مما يعني أن هنالك مرونة أكبر قد توفرت في استخدام القوات أو النيران أو الاثنين معاً. ويمضي المشرف في حديثه ويقول أما علي صعيد نوعية الأسلحة المستخدمة في الصراع القادم فلن تكون البنادق والرشاشات الخفيفة والآرب جي والهاونات(81) أو الراجمات بل ستتعدي ذلك إلي الأسلحة المتوسطة والثقيلة مثل المدفعيات بما في ذلك المدفعية الصاروخية والدبابات وناقلات الجنود المدرعة والطائرات القاتلة مثل القاذفات وطائرات الإسناد الجوي القريب والمروحيات والصواريخ الموجهة بالليزر. وينوه المشرف إلي أن استراحة المحارب التي أوجدها اتفاق السلام الشامل في 2005م قد أتاحت الفرصة لطرفي النزاع للبدء في سباق تسلح محموم أمتص مليارات البترول وسمح للحركة الشعبية بالحصول علي مرونة أكبر في التدريب العملياتي واكتساب مهارات قتال جديدة نمطية وحديثة أكبر تأثيراً من حرب العصابات التي سبقت اتفاق السلام الشامل، ويضيف المشرف أن جيلاً جديداً من العسكريين في كلا الطرفين مسلح بالعلم والتقنية والتربية العقائدية قد وجد طريقه إلي المؤسسات العسكرية التقليدية فحدث تطور هائل في استخدام تكنولوجيا الملومات لرفع القدرات العسكرية وإضافة إلي تقنيات متقدمة لوسائط القيادة والسيطرة والاتصالات، كما أضافت أجهزة التحكم والتوجيه الإلكتروني بعداً جديد لدموية الحرب وخسائرها المتوقعة (lethality). ويشير المشرف إلي اتساع مسرح العمليات وتنوع أساليب القتال يمنح دوراً تفضيلياً لاستخدام القوات الجوية بصورة غير مسبوقة في التنقل العملياتي داخل المسرح ونقل التعزيزات ومواد تموين القتال إلي ساحات العمليات المختلفة بجانب خفة الحركة التكتيكية التي توفرها المروحيات لإنجاز العمليات الخاصة و السريعة كما إن القاذفات المقاتلة مثل السوخوي الروسية أو أف 14-15-16 الأمريكية أو الميراج الفرنسية تستطيع تدمير أهدف قي النسق الثاني والثالث من الدفاع وفي هذا المجال تبدو الأهداف التي يمكن انتخابها في الشمال أكثر بكثير من الأهداف الموجودة في الجنوب فسدود السودان الرئيسية مثل الروصيرص وسنار وخشم القربة وجبل أولياء وحتى سد مروي بجانب مدن كبرى مثل الخرطوم وكوستي والقضارف وودمدني قد تصبح أهدافاً مناسبة لتلك الطائرات. إن السهول العميقة في المناطق شمال نيالا وبابنوسة وكادوقلي وجنوب النيل الأبيض والدالي والمذموم والفشقة الكبرى تعتبر في غير فصل الخريف أرضاً مناسبة لقتال المدرعات وعلي نطاق واسع وهذا يفسر تزايد مشتريات الدبابات من الطرفين في الآونة الأخيرة، إن الخسائر وسط المدنيين تعتبر ضربة قاصمة لجهود أي دولة تحترم حقوق مواطنيها في السلام والأمن ومن هنا فإن الكثافة السكانية في مدن الشمال تبدو أهدافاً قيمة لهجمات القوات الجوية والأرضية الثقيلة (فالراجمات مثلاً ترمي حتى 110كلم) كما إن مرافق الخدمات الأساسية مثل المستشفيات والمدارس ودور العبادة والأندية الرياضية قد تتلقي ضربة موجعة من الجو مثلما حدث في غزة مؤخراً. الخرطوم .. الخطة (ب) !! في ظل حالة الاحتقان تلك لوح السودان باتخاذ تدابير خاصة للمواجهة، وأكد وزير الخارجية علي كرتي إن الخرطوم لم تفكر يوماً في خلق زعزعة بدولة جنوب السودان، وقال:"لو فكرت فقط فإن الوسائل لا تحصي ولا تعدُّ.ودعا كرتي دولة الجنوب للانتباه لما تقوم به تجاه السودان، لافتاً إلي أنها ستحرق يدها قبل أن تحرق أيدي الآخرين. وأشار كرتي إلي أن القادة الأفارقة يعلمون أن لدي السودان كروتاً كثيرة ضد دولة الجنوب لم يستخدمها، ولفت كرتي إلي أن "باقان أموم "هو أول من صرخ وقال أن حكومة السودان تمارس ضغوطاً علي الجنوب، والجنوبيين يموتون. وأوضح كرتي: "لدينا كروت كثيرة ضد الجنوب، وحكومة الجنوب حرقت كل ما لديها، ولم نستخدم كرتاً أمنياً واحداً للضغط عليها، وهذا هو الوقت الذي ينبغي أن تلجأ فيه الحكومة للخطة "ب". من جهته يري الخبير الاستراتيجي اللواء د.محمد عباس الأمين أنه لا بد للدول من خطط بديلة لكل موقف، وبينه الأمين إلي أن الحرب يمكن التنبؤ ببدايتها ولكن لا يمكن معرفة نهايتها لافتاً إلي أنها تمثل استنزافاً خطيراً لمختلف الموارد لتأتي في ظل منطقة هشة في الأصل تعاني من ويلات الحرب. ويري الأمين أن ما يجري حالياً هو محاولة للضغط علي الخرطوم لتقديم تنازلات في القضايا العالقة بين البلدين، ويضيف أيضاً أن فرصة الحرب تبدو بعيدة ولكن في المقابل يجب أن نستعد لها. وهذا الاستعداد يتم علي كافة المستويات السياسية، والعسكرية والاقتصادية واجتماعية وثقافية. ويقول الأمين إن علي السودان اتخاذ استراتيجيه (الرد المرن) حسب الموقف مع السيطرة علي زمام الأحداث لذلك يجب أن نتفادى الحرب دون كبير تنازل. نقلا عن صحيفة السوداني السودانية 6/2/2012م