"مالك عقار ضعيف جداً وليست له قاعدة". بهذه المقولة اختصر الدكتور حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض فى السودان أزمة ما يسمي بالجبهة الثورية أو تحالف كاودا أو التحالف الذى يضم الحركات المسلحة الدرافورية وما تبقي من الحركة الشعبية فى السودان والذي تشكل قبل أشهر ويسعي لإسقاط الحكومة السودانية عبر العمل المسلح . وبالطبع قصد الدكتور الترابي من وراء شهادته وتوصيفه لقيادة الجبهة الثورية أن يعطي – بصورة غير مباشرة – وزناً وتوصيفاً للجبهة الثورية فى عمومها خلاصته أنها ضعيفة، إذ أن المنطق يشير الى أن القيادة الضعيفة (التى ليست لها قاعدة) لا يمكنها ان تكون على رأس جبهة قوية مؤثرة إذ لابُد أن تكون الجبهة هى نفسها بذات القدر من الضعف ولهذا فإن السؤال الذى يبرز هنا هو لماذا قلل د.الترابي – الى هذا الحد – من الجبهة الثورية التى من المفترض أن تضم حركة العدل والمساواة أحدي أكثر الحركات الدرافورية المسلحة قرباً من حزبه، بل يعتبرها البعض الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي؟ بالتأكيد هنالك ما دفع الترابي للحكم على الجبهة الثورية وقادتها بهذا القدر العالي من الوضوح فيا تري ما هو ذاك الشيء؟ من الضروري أن نلاحظ هنا أن الترابي ومنذ غياب د. خليل الذى إنتاشته رصاصات الجيش السوداني فى منطقة ود بندة قبل حوالي شهرين فى الحدود بين ولايتيّ شمال دارفور وشمال كردفان، فقدَ الثقة فى حركة العدل ولم يعد يراهن عليها كما كان فى السابق، ويبدو أن خليل كان هو كل خيار الترابي من أجل مسعاه الهادف لخلخلة الأوضاع فى دارفور وفى السودان عموماً. وفقدان الترابي للثقة فى حركة العدل ربما كان مردّه الى أن خلفاء خليل وفضلاً عن إفتقارهم لميزاته القيادية وما عُرف به من جرأة أودت به فى نهاية المطاف، فإنهم مختلفين وليسوا على قلب رجل واحد وهو أمر بدا جلياً فى طريقة اختيارهم لقائد بديل لخليل حيث لم يرض بعضهم بقيادة شقيقه جبريل وانسلخ بعض آخر وبعض آخر فضل التخلي عن العمل المسلح برمته . لقد بدا واضحاً أن الجبهة الثورية كانت قد كونت خصيصاً ليقودها خليل تماماً كما تم من قبل تكوين ما عُرفت بجبهة الخلاص الوطني قبل نحوٍ من خمس سنوات، وتزعمها خليل ومعه دريج رئيس الحزب الفدرالي وبعض القادة الدارفوريين الآخرين، فجبهة الخلاص فى ذلك الحين كانت تحمل أفكار وطريقة الترابي فى التحرك السياسي بحيث تضم الجبهة عدداً من المكونات السياسية تكون إشارتها وشفرتها لدي الدكتور الترابي بصورة غير مباشرة ولدي خليل بصورة مباشر؛ وهى طرقة معروفة عن الترابي الذى أُشتهر بأنه يجيد العمل الجبهويّ ويستخدمه لاجتياز الظروف الحرجة ليعبر بها نحو آفاق أخري مختلفة. لقد قاد الترابي عدداً من الجبهات فى تاريخه السياسي منذ جبهة الميثاق فى ستينات القرن الماضي مروراً بالجبهة الإسلامية القومية وكلها أفضت الى نهايات مختلفة ومآلات معروفة. الجبهة الثورية التى يمكن اعتبارها تطويراً لجبهة الخلاص الوطني – لسوء حظ الترابي – جعلت منها الظروف مهبطاً لحركات مسلحة لا تروق للترابي وما من جامع يجمع بينهما وبين أفكاره وأطروحاته ذلك إنَّ من العبث القول أن بقايا الحركة الشعبية فى الشمال وحركة عبد الواحد وحركة مناوي هى خيارات جيدة بوسع رجل مثل الترابي – أياً كان الرأي فيه – أن يتواءم معها ويخلق تحالفاً قوياً من مجموعها. هذا مستحيل وأحد أعظم المستحيلات رغم ان السياسة تقل فيها مثل هذه الفرضيات. وعلى ذلك فإن وصف الترابي للمتمرد عقار هو فى الواقع إهالة تراب على الجبهة الثورية من قبل (أطراف صديقة) تدرك أن حظوظ نجاح العمل المسلح للإطاحة بالسلطة القائمة فى السودان لم تتضاءل فحسب، ولكنها قُبرت تماماً يوم أن قُبر خليل فى مكان مجهول وموحش فى رمال دارفور بدون شواهد ولا ضريح للذكري ولا تاريخ مشرف قابل للفخر والإعتزاز!