أعلنت الحكومة السودانية – الاثنين – أنها تسلمت رسمياً إخطاراً من الاتحاد الإفريقي بشأن الموعد المقرر لاستئناف المحادثات السودانية الجنوبية الخاصة بالقضايا العالقة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. الإخطار تضمن تاريخ السادس من مارس المقبل موعداً للمحادثات وأشارت مصادر حكومية سودانية فى العاصمة الخرطوم ان الحكومة السودانية تعكف الآن على دراسة الإخطار لتري مدي مواءمته مع الظروف القائمة، ومن ثم تقدم ردها للجنة الإفريقية رفيعة المستوي بما إذا كانت موافقة على الموعد المقترح أم أنها تطلب تعديلاً فيه، وهو أمر بحسب المصادر نفسها يأتي فى سياق عادي بإعتبار أن تحديد مواعيد المحادثات يتطلب تحضيراً وإستعداداً من حق كل طرف أن يقرر بشأنها. و تشير متابعات (سودان سفاري) الى ان دراسة الجانب السوداني للإخطار لم تتطرق بعد – حتى هذه اللحظة – لما إذا كانت ستضع المستجدات التى طرأت على علاقات البلدين إثر الاعتداء الذى وقع من الجانب الجنوبي على منطقة بحيرة أبيض على عمق 6كلم داخل الحدود السودانية، وهو اعتداء تعتبره الحكومة السودانية بمثابة خرق من الجانب الجنوبي لاتفاقية عدم الاعتداء الموقعة بين الطرفين فى ذات منبر أديس أبابا قبل أسابيع قلائل، الأمر الذى ربما أعطي الحكومة السودانية انطباعاً بأن جوبا لا تحترم ما يتم التوصل إليه ومن الممكن أن تخرق أى اتفاق أو تفاهم يتم التوصل إليه فى ملفات وقضايا أخري. وتعتبر الخرطوم إن الاعتداء على بحيرة الأبيض - خاصة بعد اعتراف جوبا رسمياً به - يستلزم رداً من جانبها على العدوان وهو ما أكده وزير الدفاع السوداني وأكده الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل مستشار الرئيس السوداني بأن الخرطوم تحتفظ بحقها الكامل فى الرد سياسياً وعسكرياً وأمنياً على جوبا دون أن يحدد أىّ منهما موعداً للرد أو طريقة بعينها بما يجعل سماء الافتراضات فى هذا الصدد مفتوحة دون سقوف بعينها، ولعل احتفاظ السودان بحقه في الرد هو الذى قد يعزز من فرضية عدم تغيبه أو رفضه لحضور المحادثات، خاصة وان الملف الذى من المقرر أن تبحثه المحادثات ينحصر فقط فى هذه الجولة حول ملف النفط، أحد أكثر الملفات تعقيداً وأخطرها على الإطلاق لأن الآثار السالبة التي خلّفها حتي الآن وعلى وجه الخصوص تلك التى وقعت على الجانب الجنوبي تعتبر بكل المقاييس خطيرة ومؤثرة حتى وإن تظاهر الجانب الجنوبي بأنه لم يتأثر وليس معنياً بهذه الآثار السالبة. ويكفي أن نعلم فى الجانب هذا أنَّ توقف ضخ النفط لديه مدي زمني محدد بحيث إذا أرادت حكومة الجنوب التراجع عنه لابُد لها أن تتراجع عنه الآن حتى لا تتأثر الأنابيب التى تعمل على نقل النفط، لأنها لا تحتمل الاختلال الذى يصل لمدة 6 أشهر وإلاّ احتاجت لمواد كيماوية مكلفة لإعادة تنظيف الأنبوب قبل ضخ النفط فيه. غير أن السؤال الذى يفرض نفسه هنا هو هل يمكن القول ان المواجهات العسكرية التى بادرت بها حكومة جنوب السودان على مناطق جنوب كردفان ألقت بآثار ايجابية لصالح الطرف الجنوبي وأفضت الى تحلي الجانب السوداني بالمرونة التى ظلت تراهن عليها حكومة جنوب السودان؟ الواقع إن العكس هو الذى حدث، فقد أصبحت جوبا – بهذا المسلك العدواني – الأضعف موقفاً والأدعي لتقديم التنازلات، فهي ارتكبت جرماً فى حق جارها السودان يصنفه القانون الدولي فى خانة العدوان غير المبرر والذي يعطي الطرف المعتدي عليه الحق فى الرد عليه ؛ بل إن السودان بإمكانه أن يقدم شكوي جديدة الى مجلس الأمن مصحوبة بإقرار جوبا بإرتكابها للجرم وهى شكوي لن تكون الأولي، فقد سبقتها شكاوي عديدة لم يبت فيها المجلس بعد جراء عرقلة واشنطن لها. هذه المعطيات تعتبر بمثابة عنصر ضعف من شأنها إضعاف موقف الجانب الجنوبي ومن ثم لا يمكن القول بحال من الأحوال ان عدوانها على السودان قد حقق شيئاً فى مسعاها للضغط على السودان، إذ على العكس تماماً أصبح السودان طرفاً دائناً بينما إزداد موقف جوبا سوءً حين أصبحت طرفاً مديناً ومُداناً! جولة التفاوض إذن ربما انعقدت فى وقتها أو تأجل الموعد بحسب ظروف السودان، ولكن من المؤكد ان إنعقادها سيزيد من الضغط على الجانب الجنوبي بأكثر مما تصور وبعكس مما كان يأمل! خاصة إذا مضي السودان بإتجاه تعجيل المحادثات لا تأجيلها!