لم تهتم جوبا كثيراً ولم تعبأ بردة الفعل السودانية حيال إعتداءها الأخير علي بحيرة الأبيض بعمق(6) كلم داخل العمق الحدودي السوداني حين أعلنت الخرطوم أنها تحتفظ (بكامل حقها) في الرد علي الاعتداء سياسياً وامنياً. جوبا فيما يبدو ما تزال تجهل طبيعة وتفاصيل المواقف السودانية والطريقة التي تنتهجها الخرطوم في علاقتها مع جيرانها فالحبل المطول من التسامح وطول البال السياسي والقدرة علي إحتمال الأذي ربما خدعا جوبا بحيث ظنت أنها قادرة علي الضغط علي الدولة الأم وجرجرتها الي مائدة تفاوض تمنحها كل شيء بسرعة وببساطة وكما تشتهي وتريد. هنالك حقيقة ينبغي أن تظل حاضرة لدي جوبا علي الأقل من وأقع كونها كانت والي عهد قريب جزءاً من السودان بخارطته القديمة وهي ان الجيش السوداني ومنذ تكوينه وإنشائه ومنذ نيل السودان لاستقلاله لم يهزم قط، هذه الحقيقة وضرورية بصرف النظر عن الأسباب كون أن هذا الجيش ذي خبرة قتالية عالية أو للعامل الوطني الشديد الفوران فيه أو حتي لأسباب إستراتيجية وطريقة قتال ما هرة، المهم هذا الجيش الذي يتجاوز عمره القرن هنالك استحالة في كسر شوكته وإلحاق الهزيمة به، ومن المعروف في هذا الصدد أن القائد التركي محمد علي باشا لم يفتح السودان في العام 1823 إلا للرجال والمال حيث سبقت السودان سمعته في الجندية والشجاعة وصلابة العود وأصالة المعدن، كما تدرك جوبا أن هذا الجيش الذي قاتله المتمردين لأكثر من نصف قرن ما انكسر ولم يخرج من مدينة أو حتى قرية ولو كان سهلاً علي جوبا أن تكسر ظهر الجيش السوداني لكان ذلك أفضل لها قبل أن تجلس الي طاولة مفاوضات نيفاشا 2005 وكان أفضل لها إلحاق الهزيمة بالجيش لتنال كل ما تريده بل لتنال السودان كله. هذه الحقائق مفيدة للغاية والتذكير بها مهم جداً في ظل التطورات الخطيرة التي تقوم جوبا دون شعور بأدني مسئولية بتصعيدها لتصل الي مردلة الصدام الكامل أن القراءة الأولية لهذه الهجمات والإستفزازات تشير الي أن جوبا تضع ضمن حساباتها إثارة الخرطوم وخلخلة أعصابها السياسية لتدخل معها في عراك أحمق يتسنى لبعض القوي الدولية التدخل بالقرارات الدولية ومن ثم تجري عملية جرد وحساب مطولة لمجمل القضايا ويتم حسمها (بضربة واحدة) هنالك أيضاً قراءة أخري ليست بعيدة عن الأولي مؤداها أن تسعي جوبا لإنهاك السودان علي هذا النحو وإبعاد أي أمل في الراحة والاستجمام عنه حتى إذا ما (غلبه النعاس) جرت مساومته والضغط عليه ليتنازل عن كل ما تريده جوبا وهو محاط بشعور النوم الغلاب! قراءة ثالثة تقول أن جوبا لم يقف مشروعها المسمي بالسودان الجديد عند حدود فصل الإقليم الجنوبي وانشاء الدولة الجنوبية فهي تجتهد بعدما حصلت علي دولتها باتجاه صناعة دولة أخري بحيث تصبح هي السودان الجديد المنشود ارضاء بقسم كبير من قطاع الشمال وبعض محبي قرنق الذي لطالما وعدهم بفردوس مفقود في السودان بكامله. وهكذا هي القراءات كثيرة ولكنها كلها تتلاقي عند نقطة واحده هذه النقطة هي أن دولة جنوب السودان من المستحيل تماماً ان تعيش في وفاق وحسن جوار مع جارها السودان هي دولة وحدت لتمنع الحياة والطمانينة عن السودان وما ملف القضايا العالقة والنفط وابيي وبقية الملفات المعقدة سوي ذرائع بغية تازيم الوضع والامعان في الاذي وخلخلة البنيان اليساسي والامني في السودان ولكن تنسي ايضا من يقفون وراءها وما آفة الإنسان سوي النيان ان الانظمة السياسية الحاكمة ليست مؤبدة ولا محصنة ضد الزوال ففي الوقت الذي عادي فيه نظام الرئيس مبارك السودان وضيق عليه فإن نظام الرئيس مبارك سقط وتهاوي وغاب في الأفق العريض، وفي ذات الوقت الذي عادي فيه نظام القذافي في السودان وتغص عليه حياته فإن القذافي مضي بأسوأ سيناريو حين جري سحله في الطرقات، جوبا لن تكون استثناء وهي ما تزال بعد رضيعاً في المهد!