بعد أن فرغ مجلس شؤون الأحزاب، متحلياً بأقصى درجات المرونة من وضع قواعد جيدة ومتراضي عليها بشأن توفيق أوضاع الأحزاب السياسية السودانية حتى تخوض الاستحقاق الانتخابي المرتقب – في فبرار المقبل – بدون مشاكل ومعوقات، وضرب اليوم الخامس من مايو الحالى موعداً للانتهاء من اجراءات التوفيق والتسجيل، وبعد أن تسلمت مفوضية الانتخابات العامة النتيجة الرسمية النهائية للاحصاء السكاني الخامس، وقامت على ضوئها – وبحسب أوزان الولايات السكانية – بتحديد الدوائر الانتخابية توطئة لاعتماد هذه الدوائر ومن ثم الشروع في تسجيل الناخبين والمرشحين بالنسب القانونية المقررة – وفقاً للقانون – فإن من المحتم أن تكون كل هذه الخطوات العملية، بمثابة ضربة البداية لقيام الانتخابات العامة مطلع العام المقبل – وهذه الاجراءات في الواقع تضع السودان على أعتاب مرحلة يمكن القول أنها مختلفة كلية عن ما قبلها، فسكان السودان الآن حوالي 39.154.000 مليون نسمة، وجاءت ولاية الخرطوم – العاصمة – في مقدمة الولايات من حيث الكثافة السكانية كأمر يختلف كثيراً عن الاستحقاق الانتخابي الذي جرى في العام 1986م، تلتها ولاية الجزيرة (وسط السودان) ثم شمال كردفان باتجاه الغرب الأوسط. ومن المؤكد أن هذه الحقائق ما هي الا انعكاس لواقع المتغيرات السياسية التي مرُ بها السودان طوال العقدين الماضيين، حيث توقفت الحرب جنوباً وشرقاً، وهدأت الأوضاع نسبياً – بحسب آخر تقرير لرئيس البعثة المشتركة في السودان رودلف أدادا أمام مجلس الأمن بشأن الاوضاع في دارفور – كما أن الاحزاب والقوى السياسية تغيرت خارطاتها التقليدية – بفعل عوامل شتى أبرزها، اتساع دائرة الوعي والتعليم، باتساع رقعة التعليم العالي حيث لم تخلو أي ولاية سودانية من مجموع ال25 ولاية في كل أنحاء السودان من جامعة أو كلية، كما أن التجارب التي مر بها السودان طوال العقدين الماضيين من منازعات وحروب وتجارب العمل المسلح ثم التفاوض والتوصل الى سلام كل هذه تشكل الآن خارطة جديدة مختلفة تماماً عن السابق، ولهذا فإن الاجراءات الجارية الآن تبدو هامة جداً باتجاه قيام هذه الانتخابات وبحسب مصادر عليمة استطلعناها فإن هناك عزم وارادة قويين لدى الحكومة السودانية، والعديد من القوى السياسية الجادة على قيام هذه الانتخابات في موعدها، ومن واقع ما لمسناه من اجراءات تحديد الدوائر وتقسيمها وتحضير السجل الانتخابي، فإن عجلة الانتخابات العامة بالفعل بدأت بالدوران، ومن الصعب، التكهن بأي معوق قد يعيق حركتها وهو ما يقتضي أن تستعد القوى السياسية – دون أن تعّول على حسابات مجهولة – لهذا الاستحقاق الانتخابي، فإن لم يكن بدافع تقديم القوى السياسية لنفسها للناخبين السودانيين، فعلى الأقل بدافع العمل على ترسيخ الاستقرار لبلد عانى كثيراً وأثخنته جراح بنيه طويلاً!!