وصل حزب المؤتمرالوطنى الحاكم فى السودان الى السلطة عبر انقلاب عسكرى عشية الثلاثين من يونيو 1989 تحت مسمى ( ثورة الانقاذ الوطنى ) بقيادة ضباط من القوات المسلحة على رأسهم العميد عمر حسن احمد البشير آنذاك وقد اطاح الانقلاب بالحكومة الديمقراطية القائمة بزعامة الصادق المهدى وقتذاك . لكن ان تستمر الانقاذ فى الحكم الى يومنا هذا، فذلك أمر لم يتوقعه المعارضون لنظام الحكم الانقلابى فى اسوأ كوابيسهم ، وبالفعل جلست الانقاذ على سدة الحكم 23 عاما كأطول نظام حكم عرفه السودان منذ استقلاله عام 1956 ، وكما قال معارضون للحكومة ان الأخيرة سلكت كل السبل المشروعة وغير المشروعة حتى تطيل عمرها ، فى حين يرى مناصروها أنها الأحق بالبقاء. ففي عهد الحكومة الحالية توقفت حرب الجنوب على الاقل، وان كان ذلك عبر جراحة قاسية بتر فيها جزء عزيز من الوطن وبين هؤلاء وهؤلاء تمضي الانقاذ في مسيرتها لاتلوي على شيء تكافىء مناصريها وتنافح معارضيها تقرب منهم من تشاء وتبعد من تشاء وتثق في أن زوالها من الحكم دونه خرط القتاد . وفى حوار أجرته "البيان "مع البروفيسور ابراهيم غندور القيادي بحزب المؤتمر الوطني الحاكم والناطق الرسمي باسمه تبين مدى ثقة الحزب في أدواته وجماهيريته فهو المنتخب على حسب تعبير غندور فالى مضابط الحوار . الحديث عن اسقاط النظام لم يصبح حديث الغرف المغلقة وانما بات يملأ الفضاء بل اصبح مدعوما بثورة مسلحة، برأيكم هل اكتملت أدوات المعارضة لتحقيق الهدف ام ان الحزب الحاكم وهن واقتربت نهايته ؟ هذا يؤكد ان مناخ الحريات المتاح كبير جدا في السودان مقارنة بما اطلق عليه الناس، ففي دول الربيع العربى التى لم يكن من الممكن الحديث فيها عن اسقاط النظام قبل ان تكتمل حلقات الثورة الشعبية مدعومة بالثورة المسلحة،الآن نحن فى عاصمة البلاد الخرطوم التى تنعم بالامن والسلام والطمأنينة تجتمع المعارضة منفردة ومع مجموعات وتتحدث عن اسقاط النظام علنا. ويرد ذلك بصفحات الصحف التي تصدر في الخرطوم وعلى مقربة من القصر الجمهوري وقيادة الدولة وقيادة الاحزاب المكونة لحكومة القاعدة العريضة ، ايضا الحديث يؤكد ضيق البعض بالتداول السلمي للسلطة عبر الآليات الديمقراطية، وهى الانتخابات، فالسودان اجريت فيه انتخابات عام 2010 شهدها العالم عبر المنظمات الدولية والاقليمية المعنية بمراقبة الانتخابات، وكلها كتبت شهادتها عن نزاهتها ، وبعض الاحزاب شارك والبعض الآخر قاطع فى منتصف الطريق . وفي انتخابات الطلاب وهم شريحة لايمكن التأثير عليها، استطاع المؤتمرالوطني ان ينال 95% منها، وبشكل ديمقراطي واضح جدا وآخرها في جامعة الخرطوم التى عمدت المعارضة الى مقاطعتها، والمواطن يعلم ان لم تكن هذه الحكومة كلها خير فعلى الاقل الخيارات المطروحة ليست افضل منها . حديثك عن مناخ الحريات يتنافى مع شكوى الاحزاب المعارضة التي تقول بوجود تضييق في الحريات بمنع الندوات وايقاف الصحف وغيره ؟ فى كل الدنيا اذا اردت ان تقيم ندوة فلابد من اكمال حلقات الموافقة من الاجهزة المختصة ونحن في دولة من العالم الثالث مليء بالاشكالات التى يمكن ان تهدد امن المواطنين ، وفي دول العالم المتقدم في اوروبا وغيرها يؤخذ الاذن لاقامة اي نشاط سياسي يمكن ان يمثل حيزا وعددا كبيرا من المواطنين ويمكن ان تكون له عواقب تؤدي الى تهديد امن المواطن او حتى ايقاف عجلة العمل ، بالنسبة لنا فى السودان فالندوات لم تتوقف. وهي تجرى لكن هنالك بعض الانشطة التي يراد بها اثارة الشارع والاجهزة الامنية .وبالنسبة لحرية الصحافة فهى مكفولة، لكن الاجهزة التى توقف الصحف تستخدم قانونا موجودا ومتاحا ، انا اؤكد ان قضية الرقابة على الصحافة بالنسبة لنا مرفوضة ولكننا نتطلع الى رقابة ذاتية من الأجهزة الصحفية للحفاظ على امن الوطن وعدم الخلط بين السبق الصحفي والاثارة . هل انتهى حوار المؤتمرالوطني مع الاحزاب الاخرى ؟ حوارالمؤتمر مع الاحزاب لم ولن يتوقف والحوار الذى يجري الآن حول آليات الدستور وتكوينه وكيف نخرج دستورا بالتراضي عليه تقريبا كل الاحزاب وافقت على ذلك الا قلة تعد على اصابع اليد ومازلنا نرجو خيرا بأن تشارك في وضع دستور ربما يستفتى فيه الشعب ويكون خيارا لكل الامة وبالتالي نريده دستورا جامعا . مجرد لافتات هذا يقودنا لسؤال حول أحزاب تحالف المعارضة ال17 التى أكدت انها لن تجلس لاي حوار حول الدستور مع النظام بل وذهبت الى ابعد من ذلك أي أن كتابة اوتوقيع اي دستور بمعزل عنها سيدخل النظام فى ازمة جديدة ماردكم ؟ اولا انا اشك انها 17 حزبا فبعضها لافتات ومسميات لاعلاقة لها بالاحزاب مثلما نقرأ مثلا نقابة اساتذة جامعة الخرطوم هذه نقابة لاوجود لها، او اتحاد العمال الشرعي وهذا قياداته كانت تعد في السابق على اصابع اليد ، البعض الآخر احزاب لاوجود لها في الشارع السوداني ولا يسمع عنها وهنالك قلة من التي يمكن ان نطلق عليها احزابا ونحترمها وهي احزاب بحكم القانون وبحكم الوجود في الشارع السياسي ونقول ان بعضها يشارك في عملية الحوار حول الدستور . هل ستقدمون الدعوة للحزبين الشيوعي والشعبي تحديدا للحوار حول الدستور ؟ الدعوة للدستور ستكون مفتوحة لكل الاحزاب وستتبناها رئاسة الجمهورية باعتبار انها تمثل رمزية الوطن وستشارك فيها الاحزاب وسيشارك فيها المؤتمرالوطنى مثله مثل بقية الاحزاب. بالاضافة الى خبراء دستوريين ومنظمات مجتمع مدني و من له رؤية حول الدستور يمكنه ان يشارك بها للآلية التى تنبثق من هذا اللقاء وبعد ان يتم التوصل الى دستور متفق عليه من غالبية اهل السودان سيطرح على الاجهزة التشريعية وللاستفتاء الشعبي . احراج الكبيرين قال غندور لا أعتقد أن المؤتمر الوطني متهم بأنه قصد احراج الحزبين الكبيرين الامة والاتحادي بتعيين نجلي السيدين وبالتالي عزل الحزبين من المعارضة او اضعاف موقفهما واظهارهما كمشاركين في حكومة القاعدة العريضة و مشاركة اشخاص فى وزن ابن محمد عثمان الميرغنى وابن الصادق المهدى تمت بمعزل عن الحزبين او مؤسساتهما. وبالتالي المشاركة لم تكن فردية مهما قال البعض حولها، ولم تكن رغما عن الحزبين بل كانت برضى كامل ان لم يكن من كل مكونات ومؤسسات الحزب على الاقل البعض كان راضيا وبالتالي القضية ليست مشاركة فردية بل هي مشاركة كلية او شبه كلية . كيف سيتم استيعاب رؤى المواطنين فى مناطق الازمات فى دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان خاصة فيما يتصل بالمشورة الشعبية ؟ المشورة الشعبية هى جزء من اتفاقية السلام الشامل ولا تزال مطروحة اذا ما انتفت الاسباب الامنية الموجودة فى المنطقتين الآن فليس هنالك مايمنع ، بالنسبة لدارفور تحكمها اتفاقية الدوحة التى يجري تنفيذها الآن بمافيها المآلات الهيكلية ومآلات الحكم المتفق عليه وبالتالي قضية الدستور، اما ان تستوعب كل ذلك او ان الدستور والذي سيأخذ وقتا طويلا قطعا لانجازه بدءا من الحوار الابتدائي وصولا الى الاجازة النهائية وربما وصولا الى الاستفتاء الشعبي . هل برز اتجاه لحوار مع القوى التي تحارب فى جنوب كردفان والنيل الازرق.؟ الحكومة اكدت فى وقت سابق انها ملتزمة باكمال تنفيذ اتفاقية السلام الشامل بما فى ذلك المشورة الشعبية واستيعاب قوات الجيش الشعبي المتواجدة فى الشمال وفقا للاتفاقية حتى بعد اندلاع الحرب في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان لكن قيادات القطاع ارتمت فى احضان دولة اخرى. وبدأت في محاربة الدولة واصبحت حربا مدعومة بقوات من الجيش الشعبي بالجنوب ماجعل قضية الحوار ليست مطروحة الآن ، وللأسف المجتمع الدولى الآن ليس محايدا في هذه القضية ويحاول ان يدعم طرفا على حساب طرف ويتحدث عن قضايا انسانية ومعالجاتها وينسى ان اول معالجة هي ايقاف العدوان الذى يشن على السودان الآن . وجود الحزب الشعبي على رأس تحالف معارضة معظم احزابها يسارية كيف يمكن تفسيره وهل توجد به شبهة استغلال كل للآخر ؟ كلاهما يستغل الآخر فالحزب الشيوعي فى آخر حديث لقياداته ومنهم سليمان حامد الذي ذكر بالحرف الواحد :علاقتنا بحزب المؤتمر الشعبي تكتيكية ستنتهى بزوال النظام والمؤتمر الشعبي يعلم ذلك وما يدور بين حزبي الامة والشعبى الآن يؤكد ماذهبنا اليه . هذه العلاقة الاستغلالية ليست بين الشعبى والاحزاب اليسارية فحسب وانما بين غالب مكونات التجمع المعارض ولاعلاقة لها بالعمل الاستراتيجي، ولا بقضايا الوطن والمواطنين وسرعان ما ينفض هذا السامر اذا وصلوا الى مايريدون وهو اسقاط النظام ، انا اقول ان اسقاط هذا النظام بواسطة هذه الآلية مع احترامنا لكل مكوناتها غير متاح الآن . نقلا عن البيان 10/3/2012