أكثر من (100) مليار التهمتها في دقائق، نيران لاهبة غطي دخانها الأسود الكثيف سماء العاصمة الجنوبيةجوبا – الأسبوع الماضي – ليتحول السوق الجنوبي الأشهر هناك (كونجو كنجو) إلى رماد وأطلال ينعق فيها بؤم الشؤم وكأنه يذكر جوبا – أن كانت قد نسيت – إن النيران هي الأخرى في عجلة من أمرها لإنهاء مهمتها طالما أن العاصمة الجنوبية تشعل ذات هذه النيران – بذات العجلة في أنحاء من الدولة السودانية الأم آملة في إحراق تلك الدولة التي لولاها لما كانت دولة جنوب السودان. ويعلق أحد أشهر السلاطين في جوبا على الحادثة – من وجهة نظره البسيطة الخاصة – أنها كانت حادثة محتومة وضرورية لان السوق المعني لم يكن سوي أرتال وتلال من الفوضى، بحيث تجد القماش والملابس بجانب الكيروسين والبنزين والجازولين. هذه الصورة المتشحة بالسواد والمأساة لم تكن سوى نذر يسير من الأوضاع الأكثر سواداً وقتامة في دولة جنوب السودان التي ما فتئ قادتها يسومونها عناءً وعذاباً. ففي ولاية جونقلي الولاية الأكثر اشتعالاً والأشهر سفكاً للدماء. سقط في ذات التوقيت – بالتزامن مع الحريق – ما يربو على ال(170) قتيلاً في مواجهة دامية تسربلت بالحراب والسنان والرصاصات الهائجة بين قبيلتي المورلي واللانوير، وارتجت أنحاء الولاية النائحة وهي ترمل بعد ما فتك بنسائها وأطفالها الجوع والمسغبة وتدلت أهداب الأعين من المحاجر وغارت البطون ووهن العظم واشتعلت الأقدام شوكاً وغراساً جافاً لا يسمن ولا يغني من جوع. ربما لن يصدق القارئ أن قلنا له أن الموت يبدو ضيفاً مقيماً في جونقلي بحيث يكون الحصاد اليومي في مزارعه الواسعة ما لا يقل عن (30) جائعاً أو مصاباً بمرض أو منتاشاً برصاص. الحادثتين أيضاً تزامنتا مع موجة نزوح عكسي بدت في شكل هروب جماعي منظم لقبائل دينكا نوك أشهر القبائل الجنوبية المقيمة في مثلث أبيي، فقد أضطر من كان قد نزح إلى الجنوب منهم، للعودة هرباً وجرياً على الأقدام والبطون إلى أبيي، ففي أبيي، الغائرة في خصر الشمال السوداني تنبسط مساحات الحياة وإمكانات العيش الآمنة وكل مقومات الحياة الكريمة. وتشير توقعات بعض المنظمات الطوعية هناك إلى احتمال أن يفقد جنوب السودان هذا العام ما يجاوز ال(2,5) مليون ما بين لاجئ ونازح أو صريع بالجوع والمرض جراء هذا الوضع المتردي ما حمل واشنطن لمحاولة الضغط على حكومة جنوب السودان لتسوية ملف النفط مع السودان بأسرع ما يمكن تفادياً لهذا الوضع المعقد غير المحتمل ويشار في هذا الصدد إلى أن (واشنطن بدت (حاضرة) في مائدة التفاوض في أديس أبابا أملاً منها أن تدير (دفة الأمور بما ينهي الأزمة ويجنب ملايين المواطنين الجنوبيين مصيراً خطراً جراء السياسة الخرقاء التي تتبعها الحركة الشعبية الحاكمة هناك!!