قال المسئول الإعلامي بمقاطعة البيبور فى ولاية جونقلي بدولة جنوب السودان إنه لا يستطيع تقديم إحصاء لعدد الضحايا والفارّين من المنطقة جراء تصاعد العنف القبلي الدامي بين قبيلتي اللانوير والمورلي. المسئول الإعلامي قال : لا أستطيع أن أقدم عدداً محدداً، ولكن كل السكان من المورلي فرّوا من المدينة. أمين عام مجلس الكنائس الأسقف مارك لكليك من جانبه قال للصحفيين فى العاصمة الجنوبيةجوبا (إن الوضع سيء جداً والخسائر جسيمة واللانوير يطاردون المورلي). ليزجراند منسقة الأممالمتحدة للشئون الانسانية فى دولة جنوب السودان قالت إنّ ما يجاوزال50 ألفاً فروا ولا يُعرف أين هم الآن وكيف يعيشون! هذا المشهد الذى أعاد الى الأذهان - بقوة - مواجهات الهوتو والتوتسي فى رواندا فى تسعينات القرن المنصرم هو مشهد دامي واقعي ماثل الآن فى دولة جنوب السودان، ما كنا لنتعرّض له هنا على اعتبار أنه شأن داخلي خاص بدولة الجنوب لولا أمرين: الأول أن رئيس حكومة الجنوب اعتبر فى تصريحات صحفية إن هذه الأحداث فى ولاية جونقلي خلفها السودان! والأمر الثاني أن حكومة جنوب السودان رغم كل هذا المحيط المتلاطم من الدماء والأشلاء تعمل على التحرش بجارها السودان وتحشد قواتها على مشارف أبيي توطئة لعمل عدواني. وفيما يلي الأمر الأول فإن الاقتتال الدموي الدائر فى جونقلي، إقتتال قبلي محض تقول بعض الجهات هنالك إن أسبابه تتعلق بالماشية، وبعضٌ آخر يقول إن ولاية جونقلي فى الأصل أكثر الولاياتبجنوب السودان اكتظاظاً بالمشاكل وقد انطلق منها تمرد الجنرال أطور ويُنتظر أن يندلع فيها تمرد جديد. طبيعة تركيبة الولاية السكاني تجعل منها موقداً قابلاً للإشتعال وهو ما يجسِّد عن حق وحقيقة ضعف منطق الحركة الشعبية بشأن اختيار الانفصال تأسيسياً على الاختلاف الثقافي والعرقي بين الشمال والجنوب؛ فدولة جنوب السودان تعجّ بالقبائل المتنافرة وبمثلما أن للسودان شمال وجنوب، فالجنوب ايضاً لديه شماله وجنوبه؛ والمشاكل لا أول لها ولا آخر، والذي يزيد من رقعة الاقتتال أن الأطراف القبلية هناك متصلة بأطراف فى الجيش الشعبي ومن الطبيعي أن يناصر عناصر الجيش الشعبي هنا وهناك قبائلهم، ومن الواضح أن كل هذا الأمر بدأ محلياً ولا دخل للسودان به، إذ ليس للسودان من مصلحة فى مذابح كهذه تدفع بنازحين ولاجئين عاني منهم السودان طوال عقود ما عاني. أما فيما يلي الأمر الثاني الخاص بتحرش دولة الجنوب بالسودان فهذا يعكس قمة عدم المسئولية لدي القادة الجنوبيين بحيث يبدو الأمر غير قابل للتصديق، إذ كيف لدولة تشهد هذا القدر الهائل من المذابح وإراقة الدماء وتعيش تعقيدات اقتصادية واجتماعية وسياسية بهذه الحِدة أن تتجاهل كل ذلك وتصوِّب كل جهدها ونظرها بإتجاه مواجهة الدولة الجارة الأم؟ ولعل الغريب حقاً فى هذا الصدد أن الأممالمتحدة التى ما تزال تعرب عن قلقها وأسفها لما يجري لا يتخذ مجلس أمنها ولو نصف خطوة لإيقاف هذه المذابح أو على الأقل لفت إنتباه حكومة الجنوب لمعالجة هذه الجراح النازفة بدلاً من إتجاه التصعيد الذى تتبناه حيال جارها السودان! مجلس الأمن يحلو له فقط التمهيد لنشوب نزاع مسلح بين السودان ودولة جنوب السودان ليمطر السودان بقراراته المعهودة. إن القادة الجنوبيين فيما يبدو يستهينون برِدة فعل الجانب السوداني رغم خبرتهم الطويلة بالروح القتالية للجيش السوداني ويستهينون ايضاً بما يجري من إقتتال قبلي ومواجهات داخل دولتهم، مع أن أى من هذين الحدثين من الممكن أن يكلفهم غالياً، وهُم لا يملكون رصيداً يغطي هذه الفواتير الباهظة!