لو لم يكن السودان قوياً لما احتمل ولو للحظات كل هذا القدر الهائل من التحامل والضغوط والأذي السياسي الأمريكي لما يربو علي العقدين من الزمان لم يشهد هذا البلد طوالها أدني قدر من التعامل العادي من جانب الولاياتالمتحدة، عشرون عاماً أو تزيد كلها كانت عقوبات اقتصادية أحادية الجانب شملت مختلف المناحي الاقتصادية لدرجة منع قطع غيار الطائرات والقطارات وبعض المصانع وقرارات مستصدرة(عنوة) من مجلس الأمن الدولي غالبها مبني علي حيثيات خاطئة او مختلفة ومصطنعة ومواقف معادية حادة حتى في القدر المتعارف عليه في عدادات الدول. كل هذا كما قلنا لما يزيد عن العقدين من الزمان احتمله السودان ولا يزال يحتمل ومع ذلك فان الولاياتالمتحدة( ما شبعت) ولا تبلورت لديها قناعة علي الأقل من واقع هذه التجربة المطولة أن الأمر بهذه الطريقة لم يعد مجدياً وان عليها البحث عنى وسائل وسبل أخري أجدي وأنفع. كان أخر ما خطر لواشنطن الآن وفي خضم إحتدام الخلاف بين جوباوالخرطوم بشان القضايا العالقة هو أن تزيد الحمل علي الخرطوم وان تسير في ذات الطريق التعسفي الطويل الذي لا يفضي الي شيء هو ان تفرض عقوبات جديدة أسمتها (قانون سلام السودان 2012) وهو قانون يجري التباحث حوله لإجازته وهدفه الأساسي الضغط بذات درجة الضغط السابقة علي المسئولين السودانيين بمنعهم من السفر الي واشنطن وتجميد أموالهم وملاحقة الملاحقين دولياً منهم وسلسلة مطولة من النصوص الي لا تشبه تماماً التعامل الدبلوماسي والقواعد المتعارف عليها في العلاقات الدولية فالسودان بهذه المبالغة الأمريكية يبدو بلداً اكبر بكثير من قدرة واشنطن علي احتوائه او ترويضه وهو ما لا تعلم واشنطن انه يحقق لهذا البلد قدراً ممتازاً جداً من الوزن السياسي الدولي تجتهد واشنطن علي العكس منه في إلا يظهر للعيان! واشنطن أيضاً إعتقدت أنها أحكمت الخناق علي السودان حين عملت بمثابرة ودأب شديدين علي عرقلة مؤتمراً اسطنبول الخاص بتنمية الاقتصاد السوداني الذي كان مقرراً له مطلع مارس الجاري في تركيا لقد كانت هذه التطورات علي صعيد علاقات الخرطوموواشنطن اقرب ما تكون الي العادية بالنظر الي تاريخ هذه العلاقة الشائكة المليئة بالتجاذبات والخلافات التي لا تنتهي اذ ان السؤال البسيط الذي سرعان ما يتبادر الي الذهن هو وما الجديد؟ فان كانت مواقف معادية فهذه سلسلة مواقف معادية وان كانت عقوبات اقتصادية فهذه سلسلة عقوبات اقتصادية وان كانت محاولات إحتواء وإنداء فهي مستمرة. غير أن أكثر ما يثير العجب والاستغراب هنا هو ان واشنطن تبدو في حاجة ماسة للغاية للسودان والي أخذه الي جانبها بقدر من التعامل الجيد حتى يمكن التوصل الي حلول بشان قضايا عالقة مع جنوب السودان فقد ثبت أن كل النصائح الكيدية التي بذلتها واشنطنلجوبا بغية إلحاق الأضرار بالسودان والضغط عليه ومن بينها ملف تصدير النفط لم تفلح في تغيير موقف السودان أو زحزحته ليقدم تنازلات بل أن الضغط في ملف النفط علي وجه الخصوص انقلب سحره علي الساحر بحيث صارت جوبا ومن بعدها واشنطن الأكثر شعوراً بهذا الضغط جراء الأوضاع السيئة التي خلفها قرار وقف تصدير النفط . أن السودان كما قلنا يبدو قوياً للغاية وهو يواجه كل هذا العسف الأمريكي غير المبرر ولعل من المهم هنا أن ينتبه أعداء هذا البلد الي انه ليس من السهل أن يواجه بلد أعمالاً عسكرية في أكثر من جبهة واحدة وظروف اقتصادية أكثر صعوبة وقرارات ومواقف أمريكية ويظل صامداً أكثر قوة وأكثر قدرة علي الصمود!! إذ أن المعادلة يمكن ان تقرأ علي نحو مختلف لان فشل واشنطن في زحزحة الخرطوم بعد كل هذه القرارات والمواقف يعتبر دليل قوة للخرطوم.