بالطبع لم يكن من أحد يعتقد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية سوف تصبح فى يوم من الأيام (صديقاً) ، مخلصاً كان أو غير مخلص لأي دولة على نطاق العالم ،إذ انه و حتى دولة الكيان الإسرائيلي لا يمكن اعتبارها صديقاً للولايات المتحدة، باعتبار أن الذى جمع بين الاثنين هى المصالح وحدها و وسائل الضغط المتبادلة، والورطات السياسية و مقتضيات الأمن. وبالنسبة للسودان فقد ظل يستشعر العداء الأمريكي منذ عقود ، وقبل مجيء الإنقاذ حيث عانت حكومة السيد الصادق المهدي 1986-1989 من شتي صنوف الضغوط و المعاملة السيئة من جانب واشنطن . وكانت ذروة العداء الأمريكي السافر للسودان عشرات القرارات الأحادية الجانب التى تصدرها واشنطن - كلما أرادات - لتعاقب الخرطوم على جرائم لا يعرفها أحد. و من المهم هنا أن نشير الى أن كل هذه العقوبات والضغوط الأمريكية لم تفلح فى زحزحة السودان عن مواقفه ، وهو ما يعتبر فشل ذريع للسياسة الأمريكية ، ويمكن اعتبارها (هزيمة سياسية لواشنطن) كونها (عانت الأَمرّين) حيال بلد كانت تعتبر تأثيرها عليه نزهة سهلة ، بل كانت تفترض ان القدر القليل من عقوباتها كفيل بالقضاء على السلطة الحاكمة فيه وإسقاطها ؛ و لما لم يحدث ذلك و تبيّن لها أن ذلك يكاد يكون مستحيلاً حيث اكسبت الضغوط الأمريكية السودان (مناعة قوية) ما كانت تخطر على بال ، لم يعد أمام واشنطن سوي سلوك السبيل الصعب ، وهو سبيل صعب عليها وهو فى الواقع مكلف لسياساتها و تحركاتها بدرجة تفوق التصور . ففي الأسبوع الماضي - و للمرة الأولي- كشف الموفد الأمريكي الخاص عن أظافر واشنطن و أنيابها حين لم يكتف بالحديث عن حتمية انفصال الجنوب ودعم واشنطن لهذا الانفصال ، ولكن غرايشون أشار الى فصل دارفور و شرق السودان وغير بعيد عن ما قاله غرايشون ، ما قاله السفير( ريشارد وليامسون) فى شهادة مطولة له أمام لجنة فرعية بمجلس النواب الأمريكي فى 30 /11/2010 ، ومن المعروف أن وليامسون عمل سفيراً ، وعمل مبعوثاً خاص للسودان فى وقت من الأوقات . كان أبرز ما أورده وليامسون (التوقيت ليس مناسباً لتخفيف العقوبات عن السودان) ، فالرجل يحرض النواب على إحكام القبضة على السودان و خنقه حتى تتمكن واشنطن من تمرير خططها المتزامنة مع استفتاء جنوب السودان، ولكي يجعل وليامسون من حديثه حديثاً مؤثراً مستغلاً جهل الأمريكيين بما يحدث خارج حدودهم ، فانه قال ( إن غالبية سكان دارفور ليسوا مسلمين )! أى أن ولياسمون (مضللاً للنواب) يريد إقناعهم بضرورة أن يضعوا فى اعتبارهم أن دارفور قريبة الشبه بالجنوب ، حيث ان غالبية السكان ليسوا مسلمين و يتعين مساعدتهم . ولم يكن أمام ولياسمون سوي أن يقول أيضاً إن أهل شرق السودان هم كذلك ليسوا بمسلمين حتى يبرر توجه بلاده نحو فصل هذه الأقاليم . الواقع إن هذا المشهد ما هو إلاّ ترجمة لخطط أمريكية ليست جديدة وليست غريبة فكلنا شهدنا ما فعلته واشنطن فى العراق و أفغانستان ؛ فقط اختلف الأسلوب و اختلفت الطريقة ، ولهذا فان ما تفعله واشنطن بهذه المثابة يعتبر من قبيل إعلان الحرب على السودان دون أدني شك أو أي تفسير آخر.