كشفت الدولة التركية قبل أيام قليلة أرقاما تتعلق بالاقتصاد التركي. ولا شك أنها أرقام تستحق التقدير والإعجاب. من تلك الأرقام أن النمو الاقتصادي في تركيا بلغ في العام 2011 حوالي ثمانية ونصف في المائة وهي بذلك تقفز لتكون الثانية في معدل النمو في العالم بعد الصين التي بلغ نموها تسعة ونصف في المائة. وبذلك حافظت تركيا على معدلات نمو مرتفعة في السنوات الأخيرة ودفعت بالاقتصاد التركي ليكون السادس عشر في العالم وهو لا شك سيتقدم أكثر على لائحة الاقتصاديات الأكثر قوة في الظروف الحالية ما لم تطرأ متغيرات. ذلك أن التوقعات للعام المقبل في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية تشير إلى أن النمو سيتواصل لكنه سيتراجع ليكون حوالي الأربعة ونصف في المائة. وتشير الأرقام التي أعلن عنها أن الناتج القومي قد بلغ للعام 2011 774 مليار دولار بزيادة حوالي الخمسين مليار دولار عن السنة التي سبقتها. وارتفع متوسط الدخل الفردي إلى عشرة آلاف و444 دولارا بزيادة أربعمائة دولار عن العام الذي سبقه. كما يتواصل ارتفاع حجم التجارة الخارجية. ولا شك أن تركيا عرفت ظروفا متعددة أفضت إلى اقتصاد نام وقوي. من أبرز هذه العوامل أنها شهدت استقرارا في السلطة السياسية في السنوات العشر الماضية من خلال تفرد حزب العدالة والتنمية في السلطة. كما أن سياسات الانفتاح التي عرفت بتصفير المشكلات مع دول الجوار والدول الأبعد قد أسهمت في انفتاح الحدود وتسهيل التبادلات التجارية والاستثمارات. أيضا فإن القيادة الرشيدة لمن استلموا إدارة الملف الاقتصادي كان لها دور في ذلك وإن كان الوزير السابق والقيادي في البنك الدولي كمال درويش هو الذي وضع أسس برنامج إخراج سوريا من أزمتها الاقتصادية التي بلغت ذروتها في العام 2001 عندما عين وزيرا للاقتصاد في العام 2001 قبل وصول العدالة والتنمية إلى السلطة. وبالطبع ونظرا لارتباط الاقتصاد التركي بالنظام الاقتصادي العالمي فإنه لابد أن يتأثر بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. ذلك أن 80 في المائة من الاستثمارات الخارجية في تركيا هي من منشأ أوروبي. وبسبب الأزمة في أوروبا فمن المحتمل أن تتراجع هذه الاستثمارات. كذلك فإن 55 في المائة من تجارة تركيا هي مع دول الاتحاد الأوروبي والأزمة الاقتصادية ستترك أثرا على القدرة الشرائية الأوروبية من تركيا. كذلك فإن ارتفاع أسعار البترول العالمية بسب عدم الاستقرار في الشرق الأوسط بسبب الثورات العربية ولاسيَّما الصراع بين الغرب وإيران ترك أثره الكبير على الفاتورة التركية للطاقة من نفط وغاز طبيعي وحيث من المتوقع أن تصل هذه الفاتورة إلى 75 مليار دولار في العام 2012. وهذا انعكس ارتفاعا في أسعار الوقود في تركيا ما رفع نسبة التضخم فوق العشرة في المائة في آخر أرقام اقتصادية نشرت. وفي تحقيق نشرته صحيفة راديكال التركي حول تأثير "الربيع العربي" على المقاولات التركية في العالم العربي تبين تراجعها بنسبة لا تقل عن 12 في المائة. وجاءت الأزمة السورية لتشكل مصدر إزعاج وقلق للاقتصاد التركي وإن ليس بشكل كبير. حيث تراجع اقتصاد المحافظات التركية المحاذية للحدود السورية كما أن إغلاق الحدود بين البلدين أثر سلبا على حركة النقل البري التركي إلى دول الخليج والأردن وزاد من كلفة النقل عبر طرق أخرى بحرية أو جوية. إلى ذلك فإن توتر العلاقات بين تركيا ومعظم جيرانها المباشرين ومنهم اليونان وقبرص وإسرائيل سوف يترك أثرا سلبيا على اقتصادها. ثم إن تراجع الاستقرار الداخلي نسبيا مع عودة الحدة إلى المسألة الكردية في تركيا في ظل إعلان الحكومة أنها ستشطب الحزب من المعادلة الداخلية وتهديد الحزب بالمقابل بتحويل تركيا إلى جحيم، تساهم في التراجع الاقتصادي الذي لا تظهر معالمه مباشرة بل بعد فترة. تفتخر تركيا بتنميتها الاقتصادية والسياسية والسياسة الخارجية. ومع انهيار سياسة تصفير المشكلات في السياسة الخارجية وتراجع الإصلاح والعجز عن حل المشكلات الداخلية وعن إعداد دستور جديد فإن ما يبقى من مفاخر،على الصعيد الاقتصادي، هي بدورها موضع تهديد ما لم تتبدل الظروف وتتدارك القيادة التركية مواضع الخلل في نهجيها الداخلي والخارجي. المصدر: الشرق القطرية 6/4/20123م