أفشلَ الجيش السوداني – الأسبوع الماضي – محاولة فاشلة قامت بها عناصر من الحركات الدارفورية المسلحة المتسللة من دولة جنوب السودان، للهجوم على ولاية شرق دارفور. وقال اللواء محمد حامد فضل الله والي شرق دارفور للصحفيين إن المجموعات التى كانت تضم عناصراً من الحركات الدرافورية والحركة الشعبية دخلت الى أطراف محلية عسلاية ونهبت عربة كانت تحمل جولات سكر، واستطاع الجيش السوداني التصدي لها وإخراجها خارج حدود الولاية ومطاردتها. وقد جاءت الواقعة فى الوقت الذى كانت فيه الحكومة الجنوبية تعرقل سير المفاوضات فى أديس أبابا لتنتهي المفاوضات دون التوصل الى أى إتفاق. وقد خرج رئيس الوفد الجنوبي باقان أموم عقب إنفضاض جولة التفاوض ليصرح للصحفيين علناً، إن بلاده تدعم الفرقتين التاسعة والعاشرة من الجيش الشعبي في ولايتيّ جنوب كردفان والنيل الازرق بما يعتبر إقراراً جنوبياً صريحاً بضلوع حكومة جنوب السودان فى زعزعة أمن استقرار السودان. وعلى ذلك لم يعد التدخل الجنوبي فى الشأن السوداني عبر دعم المجموعات المسلحة التى تقاتل الحكومة السودانية مجرد إتهام ظلت تطلقه الحكومة السودانية؛ وإنما أصبح حقيقة واقعة تقرّ وتعترف بها حكومة جنوب السودان. وعلي ذلك فنحن إذن أمام عمل عدواني صريح – مُعترف به من جانب حكومة جنوب السودان – على أراضي وأهداف سودانية بما يُعد فى الأعراف الدولية من أعمال الحرب، غير أن الأمر بهذه المثابة يبدو أكثر تعقيداً وخطورة، فالحكومة الجنوبية لا تقاتل السودان – وفق هذا الإقرار الجنوبي – لأسباب تتصل بحدود أو أراضي تزعم أن السودان قد انتزعها منها بالقوة ؛ الحكومة الجنوبية تقاتل السودان لوجه القتال وتشنّ الحرب عليه لأسباب غير معروفة إذ أنه وحتى المناطق المتنازع عليها وهي أبيي؛ هنالك قواعد متفق عليها لحلحلة النزاع فيها، وأبيي وُضعت تحت المراقبة عبر الجيش الإثيوبي، ولهذا فإن اى دعم لمقاتلين ومتمردين، أو دخول الى أراضي سودانية يعتبر عمل حربي لا مبرر له، ومن ثم يتأسس على هذه الحقيقة أن الحكومة الجنوبية فى الواقع تعبث بعلاقات حسن الجوار مع السودان الى أقصي مدي ممكن، وهو أمر غير متصور فى علاقات الدولة، ولا يحدث حتى إذا كانت الدولة المعتدية تعد فى مصاف القوى الدولية الكبرى التى تصعب مواجهتها . العبث الجنوبي بالأمن السوداني يتنوع الآن ليصل الى حد تجنيد الأطفال وإعاقة تلاميذ وطلاب المدارس فى مناطق جنوب كردفان من التحصيل الأكاديمي، حيث تشير متابعات (سودان سفاري) أن الحكومة الجنوبية بحوزتها الآن ما يجاوز ال5 ألف طفل سوداني فى معسكرات مختلفة فى (فاريانق) بولاية الوحدة وفى (بور) بمنطقة جونقلي وأماكن أخري، تنتزعهم من دارفور وجنوب كردفان ولا تزال تحتفظ بهم توطئة لتدريبهم واستخدامهم فى حربها مع السودان. وتشير ذات المتابعات إن حكومة جنوب السودان – عبر تجربة التسلُل الى شرق دارفور الفاشلة هذه – تسعي لفتح طريق من هنالك ليصبح فى إمكان الحركات الدرافورية المسلحة القتال عبر هذا المعبر لخلق نقطة ارتكاز فى المنطقة وهو ما لم تنجح فيه حتى الآن، وما يبدو عسيراً وعصياً على التحقُق. وعلى الجانب السوداني لا تبدو الحكومة السودانية غافلة عما يحدث، كما لا يعوزها القيام بعمل عسكري واسع النطاق من المحتم أنه سيضع الكثير من النقاط فوق الحروف؛ كانت ولا تزال الحكومة السودانية تتمسك بقدر عالي ونادر من ضبط النفس تحاشياً لمواجهة شاملة من شأنها إحراق مساحات شاسعة فى المنطقة، هى فى النهاية بمثابة خسارة مزدوجة للسودان بخارطته القديمة .