خلال مباحثاته التي أجراها مؤخراً بالعاصمة السودانية الخرطوم والتي وصل إليها قادماً من العاصمة الجنوبيةجوبا، أبدى رئيس الآلية الإفريقية ثامبو أمبيكي إهتماماً ملحوظاً بالقمة الرئاسية المنتظرة بين الرئيسين البشير وسلفا كير؛ وقال أمبيكي عقب إجراء مباحثاته إنَّ الرئيس البشير وافق مبدئياً على القمة التي لم يتحدد بعد زمانها أو مكانها، غير أنه - أي الرئيس البشير- أورد جملة اشتراطات لا بُد من مراعاتها قبل عقد القمة تتمثل فى التحضير الجيد وتناول كافة القضايا والملفات وإيجاد حلول نهائية لها. أمين عام الأممالمتحدة من جانبه بان كي مون حثّ الطرفين بالتزامن مع زيارة أمبيكي لسرعة عقد القمة وحسم القضايا الخلافية بينهما. الرئيس الأمريكي باراك أوباما هو الآخر ناشد الأطراف سرعة الالتقاء على مستوى القمة لمعالجة المشاكل التي تدفعهما للتوتر. وهكذا يبدو الكل معولاً - كامل التعويل - على القمة الرئاسية بين الطرفين اعتقاداً منهم أنها مفتاح لحلحلة القضايا الخلافية العالقة، والسؤال هو، هل تعد القمة المنتظرة بالفعل مفتاحاً لحلحلة القضايا الخلافية بين البلدين بحيث لا مجال البتة لأي آلية أو وسائل أخري؟ الواقع إنَّ أحداً لا يدري حتى الآن سِر هذا التعويل الكبير على قمة الرئيسين لحل هذه القضايا كما لا يدري أحد – على وجه الدقة – من أين أتى مقترح القمة وإن كان العديد من المراقبين يعتقد أن المقترح جنوبي قدّمه الوفد الجنوبي المفاوض في أديس أبابا في أعقاب فشل الجولة التي انفضّت في الثالث عشر من مارس الماضي والتي تم التوصل فيها الى اتفاق الحريات الأربع. وتشير متابعات (سودان سفاري) في هذا الصدد أن المقترح ربما يكون قد تم تقديمه بواسطة جهة دولية عن طريق الحكومة الجنوبية بُغية ممارسة أقصي درجات الضغط على الجانب السوداني، ولعل من المهم جداً هنا أن نشير الى نقطة على جانب كبير جداً من الخطورة والأهمية فحواها ان المقترح يُراد له أن يتم هكذا دون أن تسبق القمة عملية تحضير جيدة. كان كل المطلوب هو عقد القمة والتعويل على حسن نية الجانب السوداني، بل وأريحيته السياسية مع بذل الوعود الدولية من جانب واشنطن والاتحاد الأوربي والأممالمتحدة للسودان في مجالات عديدة ليرضي ويرضخ - في المقابل - بالقبول بسعر نقل رمزي للبترول الجنوبي وحلحلة قضايا الحدود والحريات الأربعة. مقترح القمة - فى ذلك الحين - كان قائماً على (بروقٍ خُلّبْ) إذا جاز التعبير؛ تقدِم فيها واشنطن وعودها المعهودة بشأن الديون والعقوبات وقائمة الإرهاب لكي يتم الحصول على تنازلات من السودان لصالح دولة جنوب السودان، مع استخدام ورقة مهمة، هي إحتلال أرض سودانية نفطية (هجليج) ووقف إنتاج النفط حتى يكون الضغط عالي الكثافة، ولهذا رأينا كيف كانت زيارة الوفد الجنوبي التحضيري للخرطوم برئاسة أموم، مجرد زيارة (علاقات لعامة) ليست لها العمق المطلوب ولا كان الوفد مهتماً قط بتحضير جيد وحسم القضايا الخلافية وإعداد الملفات بالصورة المطلوبة. كان الوفد على عجلة من أمره، وظهر بمظهر مثير للريبة. إذن كانت ولا تزال (آلية القمة هذه) مثاراً للشكوك والتساؤلات، فقد عُقدت قمم عديدة من قبل آخرها كانت فى الخرطوم قبل أن يصل الخلاف هذه الدرجة، فبماذا خرجت؟ ولو سلّمنا أن القمة ينبغي أن يسبقها تحضير جيد، كيف سيتم هذا التحضير الجيّد إذا لم يكن من شأنه حلحلة هذه القضايا عبر لجان تسبق القمة؛ ما الحاجة إذن للقمة طالما أن بوسع لجان مشتركة ورؤساء وفود التفاوض التوصل لحلول؟ إن ما وراء هذه القمة الرئاسية الكثير مما يدعو للتأمل والاستغراق في التساؤل ووضع علامات الاستفهام والتعجب، وربما تتكفل الأيام القليلة المقبلة بإزاحة الستار عن الكثير، والكثير المثير!