إعتذر الرئيس السوداني المشير البشير رسمياً عن تلبية الدعوة التى وجهها له نظيره الجنوبي سلفا كير ميارديت بعقد قمة رئاسية عاجلة لحسم ما تبقي من قضايا خلافية بين الجانبين من مفاوضات أديس أبابا. وقال المتحدث بإسم الخارجية السفير العبيد مروح فى إيضاح صحفي موجز فى هذا الصدد -الاثنين الماضي- إن البشير لديه إرتباط مسبق مع أمير دولة قطر لعقد مباحثات بالدوحة فى ذات توقيت الدعوة. وأبان السفير مروح أن بلاده تري إن عقد قمة رئاسية كان الأوفق أن يتم فى أعقاب مفاوضات تفضي الى نتائج مثمرة تنتهي بإجازة القمة لما تمّ فيها، وهو ما لم يتحقق حتى الآن. فالمفاوضات بحسب الانباء الواردة من أديس أبابا ما تزال جارية ولم يتم التوصل بعد لنقاط نهائية ؛ بل إن هنالك مؤشرات لتراجعات فى مسارات التفاوض خاصة فى أعقاب ذهاب رئيس الوفد الجنوبي باقان أموم الى جوبا وعودته من هناك. ولعل هذا الإعتذار السوداني المنطقي الى حد كبير مردّه من الناحية السياسية الى عدة إعتبارات مهمّة للغاية. فمن جهة فإن الجانبين سبق وأن عقدا قمتين من قبل كانت آخرها تلك التي انعقدت على هامش اجتماعات الاتحاد الافريقي منتصف الشهر المنصرم، وأما الأولي فكانت أيضاً فى أديس أبابا مطلع هذا العام وكانت على وشك حلحلة قضية النفط، ولكن الرئيس الجنوبي سلفا كير تراجع عنها فى اللحظات الأخيرة وهذا فيه دلالة لا يتطرّق اليها الشك مطلقاً أن القمة فى حد ذاتها ليست آلية مجدية ومن المحتمل أن تعويل جوبا الدائم على القمة مردّه الى إعتقاد سياسي خاطئ أن الأمور يمكن أن تجري على نحو دراماتيكي وعن طريق الخبط العشوائي على رؤوس المواضيع بقرارات رئاسية ليست مبنية على مواقف تفاوضية سابقة، الأمر الذى يصعب التعامل به فى قضايا استراتيجية خطيرة وشديدة الأثر والأهمية كهذه. ومن جهة ثانية، فإن القمم -فى العادة- إنما يتم اللجوء اليها فى حالة إنتهاء لجان التفاوض من حلحلة القضايا مبدئياً بحيث تكون هناك مواقف ونقاط واضحة إنتهي عليها التفاوض وأصبحت فقط فى حاجة الى قرارات رئاسية ترجيحيّة مبنية بصفة أساسية على مساحة مكفولة للرؤساء للتحكم فيها. بمعني أدق فإن الرؤساء حين يلتقون لا يلتقون على فراغ أو أمور جديدة وإنما يلتقون على هدي ما قد جري من طحن للقضايا ويضعون عليها السقف الرئاسي كغطاء أخير محكم عليها؛ وهو كما رأينا ما لم يتم حتى الآن، ولا يُنتظر أن يتمّ فى بحر ساعات أللهمَّ إلاّ بمعجزة سياسية كبيرة. من جانب ثالث فإن الجانب الجنوبي سبق وأن أفسد مضمون هذه القمة حين فاجأ الجميع -العام الماضي- بالهجوم على مدينة هجليج فى الوقت الذى كانت تجري فيه التحضيرات لعقد قمة فى جوبا وهى قمة – فى ذلك الحين – كان من المتوقع أن تنجز كثيراً بعدما تقاربت المواقف وأبدي كل جانب قدراً من حسن النية، فإذا بجوبا تفعل ما فعلت دون أىِّ حكمة ودون أن تضع إعتباراً لمسارات العلاقات بين البلدين . هذا الوضع أوجد شرخاً فى العلاقات وقلل من عنصر الثقة بين الجانبين وأفقد الجانب السوداني الحماسة فى أىّ قمة ما دام أن سوء النية ما يزال يسيطر على ذهنية الجانب الجنوبي. لكل ذلك فإن فرص عقد قمة رئاسية بين الرئيسين البشير وكير تتضاءل بإستمرار وهو أمر جاء كنتيجة حتمية لتلاعبات جوبا غير المبررة. وعلى ذلك فإن من المؤكد أن الإعتذار السوداني كان بمثابة رسالة كاملة الإفادة، كل المطلوب أن يكون الجانب الجنوبي قد فهم مغزاها ووعي ما في ثناياها جيداً!