طلب مجلس الأمن الدولي من الحكومة الجنوبية سحب قواتها من منطقة هجليج التي إحتلتها مؤخراً. الطلب الدولي وإن جاء بارداً وعلى استحياء وتلته المندوبة الأمريكية بالمجلس (سوزان رايس) إلاّ أن أهمّ ما إشتمل عليه أنه أكد أن هجليج سودانية تقع ضمن حدود الدولة السودانية وليست أرضاً جنوبية، أو حتى منطقة متنازع عليها قابلة للأخذ والرد أو التسوية السياسية. الجانب الجنوبي نفسه أورد لاحقاً عقب صدور قرار مجلس الأمن المشار إليه، أنه يرهن سحب قواته من هجليج بإنسحاب القوات السودانية من مثلث أبيي! وهذا ايضاً - بصرف النظر عن مشروعية المساومة هنا - يتضمن تأكيداً واضحاً من الحكومة الجنوبية ان هجليج ليست تابعة للحدود الجنوبية، وليست موضعاً لنزاع بين البلدين. كما أن خلاصة الموقف برمته تتضمن نقطة جوهرية شديدة الأهمية وهي أنّ الحكومة الجنوبية هاجمت منطقة هجليج وسيطرت عليها بلا أي مبرر أو أيِّ مسوغ سياسي أو قانوني مهما كانت درجة وجاهة الأمر الذي يعزز من فرضية العدوان، والرغبة في إشعال حرب واسعة النطاق بين البلدين. ويمكن فهم الأمر من عدة زوايا بهذا الصدد؛ هنالك زاوية متعلقة بعدم رضا قديم بتبعية منطقة هجليج الى السودان سبق وأن أبداها الجانب الجنوبي عقب صدور قرار الهيئة التحكيمية في لاهاي بخصوص منطقة أبيي. لقد تضجر وقتها الجانب الجنوبي وبدا غير راضٍ بالقرار الدولي ولكن لم يكن حينها، ولن يكون في الوقت الراهن هناك مناصاً من قبول القرار، لأن قرارات الهيئة التحكيمية كما هو معروف قرارات ملِزمة لا مجال مطلقاً للطعن فيها، أو نقضها أو رفضها، وذلك لأنّ قرارات هيئة التحكيم تقوم مسبقاً على رضا الطرفين، وأهم شرط ينبغي أن يوافق عليه المحتكِمَين الى الهيئة التحكيمية قبل أن تنظر من الموضوع هو أن يوافقا على القرار الذي سيصدر؛ ولعل هذه النقطة القانونية المُهمّة هي التي غلّت يد الجانب الجنوبي وحالت دون إدخال المنطقة ضمن المناطق المتنازع عليها. ولهذا فإن العدوان بهذه المثابة وفضلاً عن أنه يخالف قرار هيئة التحكيم، فهو يهدد القرار الشامل للهيئة الخاص بأبيي لأنّ القرار كان شاملاً وينبغي قبوله على هذا النحو لا تجزئته وقبول بعضه ورفض بعضه. الزاوية الثانية إن المنطق الذي أوردته الحكومة الجنوبية بخصوص انسحاب قواتها من المنطقة مقابل انسحاب الجانب السوداني من أبيي منطق أخرق بمعنى الكلمة، لأن أبيي منطقة متنازع عليها وطريقة حسم النزاع فيها منصوص عليها فى البرتوكول الخاص بها 2004 عبر الاستفتاء، بينما هجليج ليست موضع نزاع. فكيف تتم مقايضة منطقة غير متنازع عليها مع منطقة متنازع عليها؟ الزاوية الثالثة أنه وعلى فرض صِحة المنطق الجنوبي، هل معنى ذلك أن يقرّ السودان بتبعية منطقة أبيي لدولة جنوب السودان دون استفتاء، ودون أي إجراء لمجرد الضغط عليه بإحتلال هجليج؟ هل هناك دولة تقبل المساومة على الأرض تخصها وتوافق على التخلي عن أرض أخرى لمجرد أنها واقعة تحت ضغط عسكري؟ لا شك أن هذا الأمر يبدو فى حكم المستحيل. الذى سيحدث أن الحكومة السودانية سوف تسترد منطقة هجليج – مهما كلفها ذلك – لأنها منطقة خالصة لها لا ينازعها عليها أحد وتقرّ الحكومة الجنوبية – علناً – بأنها احتلتها، ومن ثم فإن حق الحكومة السودانية في استرداد أرضها يعتبر حقاً مشروعاً ومشمولاً بالقانون الدولي، والأدهى وأمرّ أن الحكومة السودانية وحال استردادها المنطقة لن تدخل في تفاوض بشروط سهلة كما كانت فى السابق، فهنالك ثمن بالطبع لهذا العدوان الأخرق، وهنالك عقاب لا بُد من إنزاله على الطرف الجنوبي لأن المستقبل أمام البلدين طويل، وطالما ان الجانب الجنوبي أبدى كل هذا القدر المؤسف من العداء والنوايا السيئة فلا بُد من وضعه فى الموضع الذي يناسبه!