برّرالرئيس سلفا كير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان الإنتقادات التى وجهها أصدقاء دولة جنوب السودان إليها عقب عدوانها على هجليج بأنه (نتيجة لجهلهم) بتبعية هجليج الى جنوب السودان! ولم يفصِّل الرئيس كير تحديداً طبيعة هذا الجهل؛ كما لم يحدد بالضبط هل كل اصدقاء جوبا الذين أدانوا الاحتلال وطالبوها بالانسحاب كلهم جهلاء أم بعضهم ؟ وبالطبع لسنا هنا ولا حاجة لنا للوقوف عند هذا الوصف وتبعاته السياسية فلربما كانت المساحة المتاحة لجوبا فى علاقاتها بأصدقائها تسمح بمثل هذه الأوصاف؛ الذى يعنينا من الأمر كله هو هل بالفعل لدي جوبا ما يُثبِت تبعية هجليج لها, ويجهل ذلك كل العالم بمن فيهم اصدقاء الدولة الجنوبية؟ من المؤكد أن الإجابة بالنفي، إذ على أقل تقدير يعلم العالم بأسره حقيقة قرار الهيئة التحيكميّة الصادر عن محكمة العدل الدولية فى لاهاي فى العام 2009م؛ والذى خطَّ خطوط منطقة هجليج لتكون ضمن حدود السودان. القرار كان من الوضوح (وفق الوثائق) الموجودة بلاهاي وإطلع عليها كل من يود الاطلاع وموجودٌ منها وثائق أيضاً فى المنظمة الدولية بمقرها فى نيويورك كأمر لازم، حيث يجري إيداع أىِّ وثائق على هذه الشاكلة فى نزاع بين دولتين طرف الأمين العام للأمم المتحدة لإعتمادها وأخذ العلم منعاً لأيِّ نزاع مستقبلي بشأنها. إذن بعد كل ذلك كيف إتفق أن حازت جوبا وعلى نحوٍ يخالف كل ذلك أدلة أو وثائق تثبت تبعية هجليج لها و (يجهلها) أصدقاءها، دعك من السودان! لقد كان الأمر فى حاجة الى ايضاح موثق من جانب الرئيس الجنوبي وهو يطلق تصريحات خطيرة كهذه. كان مطلوباً منه إماطة اللثام عن الجهل الذى وصم به أصدقاء بلاده، مع علمه التام أن اصدقاء بلاده هُم مناصروه فى الحق والباطل! إن رئيس لجنة تحديد الحدود البروفسير عبد الصادق عبدالله أكد مؤخراً أن جوبا وقَّعت على وثائق اللجنة التى تتضمّن إقراراً بالمناطق المتنازع عليها والمناطق غير المتنازع عليها، ومن ضمن المناطق غير المتنازع عليها والتى وضع الجانب الجنوبي إمضاؤه عليها -طوعاً وإختياراً- منطقة هجليج ؛ إذ من البديهي أن أحداً لم يُكرِه الجانب الجنوبي على إمضاء أمر لا يوافق عليه. الأمر الثاني ان الحكومة الجنوبية وطوال الاعوام الست الماضية من عمر فترة الإنتقال لم تنازع ولو لدقيقة فى منطقة هجليج، ومعلوم أن أول منازعة وردت بهذا الصدد، هى التى جرت فى آخر جولة مفاوضات بشأن القضايا الخلافية فى أديس أبابا فى الثالث عشر من مارس الماضي. وحتى حين ثار النزاع فى تلك الجولة لم يستمر طويلاً لأن الجانب السوداني تكفَّل بالرد على ذلك وتم إخراج الأمر من جدول المحادثات لعدم ارتباطه بالموضوع. ولعل الشيء الغريب ومريب فى ذات الوقت بهذه المثابة، أن الحكومة الجنوبية ما تزال تنتظر حل النزاع على أبيي المتنازع عليها ولكنها لم تصبر على هجليج! الأمر الثالث أن الحكومة الجنوبية التى تزعم أن هجليج تتبع لها - وهى تنتج النفط السوداني - لم تَثِر هذا النزاع إلاّ حين قرّرت وقف ضخ نفطها بعد الخلاف العاصف بينها وبين الحكومة السودانية حول رسوم تصديره. بمعني أوضح، فإن أحداً لا يدري ما إذا كانت جوبا ستثير هذا النزاع من الأصل لو لم يكن قد وقع الخلاف بشأن تصدير النفط الجنوبي عبر أراضي السودان. وأخيراً فإن من المستغرب أن تشعل جوبا حرائقاً فى آبار النفط فى هجليج بما يلحق بها أضراراً جسيمة وهى تدّعي تبعيتها لها! إن الجهل الذى وصم به الرئيس الجنوبي أصدقاءه الذين سارعوا لنصحه بالإنسحاب من هجليج ولم ينتصح لهم وتركوه يواجه الآلة العسكرية السودانية التى تكفّلت بإخراجه من هنالك عبر هزيمة مريرة خسر فيها الآلاف من جيشه الشعبي هو دون شك جهل يجهله الجميع إلاّ الرئيس كير!