مع إقتراب الجيش السوداني – بحسب المتحدث بإسمه – من منطقة هجليج توطئة لتحريرها وطرد الجيش الشعبي التابع لحكومة جنوب السودان منها، وهو ما يقدِّر له الجيش السوداني ساعات، ربما تكون قد انقضت أو فى طريقها للإنقضاء ساعة نشر هذا التحليل.. فى هذا الوقت يبدو الموقف على الجانب الجنوبي مرتبكاً للغاية، إذ بدأ القلق ينتاب القادة الجنوبيين بشأن الخطوة الخاطئة التي ارتكبوها في حق جارهم السودان والمسلك المتهور الذي أوصل الأمور الى هذا الحد غير المسبوق. ويظهر القلق فى المواقف والتصرفات المضطربة عقب العدوان، فقد قالت الحكومة الجنوبية أولاً إنها لن تنسحب من المنطقة إلا بعد أن ينسحب الجيش السوداني من منطقة أبيي، ثم ما لبث هذا الموقف أن تغير لمّا لم يجد استجابة من الجانب السوداني ليتحول الى مطالبة بمقايضة منطقة أبيي بهجليج ، ثم ايضاً – لما لم يجد استجابة – تحول الى مطالبة بنشر قوات دولية فى منطقة أبيي! ولا يدري أحد ماذا سيكون عليه الموقف بعد ذلك، فقد أثبت مجمل الوضع الذي استحدثه القادة الجنوبيين بهذه المثابة أن من الصعب إن لم يكن من المستحيل السيطرة على هذا الوضع المتأزم الخطير، وأنه لا بُد من دفع كلفة ما قام به الجيش الشعبي عاجلاً وليس آجلاً، وهو ما ظهر جلياً فى تصريحات وزيرة الدولة بوزارة الإعلام السودانية سناء حمد التي قطعت بأن الحكومة السودانية عازمة على تأديب الحكومة الجنوبية جراء هذا الموقف الخاطئ والجرم الذي إرتكبوه بما أوجد حالة غضب عارم في الأوساط السياسية والشعبية السودانية والجنوبية علي حدٍ سواء؛ إذ كما هو معروف قد رفضت العديد من القوى السياسية والأحزاب الجنوبية الهجوم الجنوبي على هجليج بإعتباره عملاً عدوانياً باهظ الثمن لا جدوى ولا نفع منه وتعكس حالة القلق والارتباك هذه قدر كبير من الجهل وعدم حساب الخطوة جيداً. كما تعكس خواء ذهن الحكومة الجنوبية التي ربما كانت تنفذ أجندة لدولة أجنبية ماكرة لا يقف تخطيطها عند حد إيذاء السودان وحسب، ولكن يتجاوز ذلك الى حد إيذاء الدولة الجنوبية نفسها بإظهارها بهذا المظهر البائس، ذلك ان الهجوم على هجليج – وبعكس ما كان مُتصوراً – أضاف الى الجانب السوداني ما كان ينتظر الجانب الجنوبي أن ينضاف الى حسابه، وهو عنصر القوة وزمام المبادأة، فقد تراجعت ثقة الخرطوم في جوبا لتصل الى ما دون الحضيض وهذا يستلزم - إذا أرادت جوبا- الجلوس للتفاوض مستقبلاً، أن تتحلي بالقدر الكافي من الثقة الذى يصلح ليكون أساساً للحوار والتفاوض. الأمر الثاني أن الحرب – وقد وقعت وحدث ما كان يُخشى منه – لم تعد عنصر تهديد أو تخويف يشكل هاجساً للسودان الذي لا يريد الحرب ليس لأنه ضعيف أو خائف بقدر ما أنه يتحاشى إهلاك الموارد والأنفس والأموال في ظل ظروف لا يمكن لعاقل أن يفعل فيها ذلك، فإذا كانت حكومة جنوب السودان غير مسئولة وليس لديها شعور بالواجب الوطني حيال مواطنيها، فإن الحكومة السودانية وعلى النقيض من ذلك تراعي هذه النقطة الهامة، ولكنها ومع كل ذلك وبعد خوضها للحرب لم تعد تحسب حساباً لهذا الأمر طالما أن جوبا أجبرتها على خوض الحرب. وعلى ذلك يمكن أن نقول إن تجربة هجليج تظل التجربة الأدعى للإستفادة منها بواسطة الحكومة الجنوبية، حيث لم يحدث في التاريخ البعيد أو القريب أن أقدمت دولة على احتلال أراضي دولة أخرى، ومر الأمر مرور الكرام وبدون عقاب!