لم تحرز مفاوضات أديس أبابا النجاح الذى كان متوقعاً، ولم تتقدم إلا بالقدر الذى كانت تريده جهة ما، لديها مصلحة فى توجيه بوصلة المفاوضات. فمن بين عدة قضايا فى مقدمتها قضية النفط لم يتسنَّ القول عن أن هذه الملفات قد تم إغلاقها أو حتى أن هنالك أمل فى إغلاق واحد منها على المدي القريب. ولن يجادل أحد فى هذا الصدد أن هذه المفاوضات صناعة أمريكية بحتة، فالذي يعرف النهج الأمريكي فى التفاوض بإمكانه أن يلاحظ ذلك، منذ أن اخترع هنري كيسنجر أحد أشهر وزراء الخارجية الأمريكية فى ستينات وسبعينات القرن الماضي سلوك تجزئة القضايا بحيث تتم معالجة كل جزء على حدي، وعلى عدة مراحل بحيث يكون وكأنَّ القضية كلها تتركز فى هذا الجزء! وبوسعنا أن نلاحظ هنا أن التفاوض كله قد تم حصره فى قضية النفط، وكلنا يتذكر ما قالته المندوبة الأمريكية فى مجلس الأمن سوزان رايس، حين أفرج السودان عن باخرتين جنوبيتين محملتان بالنفط قبل حوالي الأسبوعين ، إبداءً لحسن النية، حيث وصفت رايس قرار الإفراج بأنه خطوة مهمة ولكنها جاءت متأخرة! كان واضحاً أن رايس هى التى تدير اللعبة من نيويورك بأسلوب تجزئة القضايا، ثم التقليل من كل قضية يُحرز فيها تقدم، ويمكن قراءة هذا الموقف كله الآن من عدة وجوه. فمن جهة أولي، تقول الولاياتالمتحدة ان الرئيس أوباما أطلق حوالي 1000 جندي أمريكي فى المنطقة، (أى داخل القارة الإفريقية) بغرض ملاحقة جيش الرب المناوئ للحكومة اليوغندية، ولكن فى حقيقة الأمر إن عدد من المحللين فى عدد من الصحف الأمريكية يرون إن هؤلاء الجنود مكلفون بعمل عسكري بعيداً عن جوزيف كوني وجيش الرب. والواضح أن هذه محاولة لإخافة الحكومة السودانية ومحاولة الضغط عليها حتى يؤدي ذلك الى (تليين) موقفها فى المفاوضات. من جهة ثانية فإن تهديدات الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت، ونشره للجيش الشعبي على إمتداد الحدود هو أيضاً عنصر من عناصر أسلوب الضغط الأمريكي . من جهة ثالثة فإن ما أطلق عليه اتفاق وقف العدائيات ما هو إلا فخ القصد منه إيجاد المبررات للتدخل العسكري فى المنطقة، وقد لاحظنا فى هذا الجانب بالذات إن الجيش الشعبي سرعان ما بدأ فى إطلاق الاتهامات ضد الجيش الشعبي السوداني بخرقه لاتفاق وقف العدائيات! خلاصة الأمر إذن ان المفاوضات هذه لا يُراد لها أن تصل الى نتيجة، فالمطلوب هو شدّ الطرفين ولفت انتباههما لأهمية هذه المفاوضات، ولكن دون أن يبلغ ذلك حد الحل النهائي! إذن هو الأسلوب الأمريكي الذى يشلّ إرادة الجانب الجنوبي ويتقمص سيادة دولة الجنوب ويتعامل من وراء ستار ضد مصالح السودان أملاً فى أن يحكم سيطرته على النفط وموارد الدولتين وسيادة الدولتين. واشنطن هى التى تختبئ تحت الطاولة فى أديس أبابا، وحين تكون منشغلة بأمر ما آخر فإنها تنيب عنها اسرائيل للجلوس تحت الطاولة وقرص أرجُل المفاوضين الجنوبيين للتوجُّه حسب البوصلة!