لم يختلف المراقبون والمتابعون للمحادثات النفطية بين السودان ودولة جنوب السودان، أن هنالك (جهة ما) تعبث من وراء ستار بهذا الملف الحيوي الهام، فقد تأكد أن الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت أحجم عن التوقيع على اتفاق إطاري فى هذا الصدد كانت قد أسهمت فى التوصل إليه كل من أثيوبيا وكينيا – الجمعة الماضية – بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا، بعد تلقيه محادثة هاتفية عاجلة ألحّت سكرتاريته على ضرورة الرد عليها باعتبارها مكالمة طارئة وشديدة الأهمية. ولم يتسنّ حتى الآن ل(سفاري) الإستيثاق من طبيعة الجهة التى هاتفت الرئيس الجنوبي، غير أن مؤشرات عديدة تشير الى أنها جهات (لها مصلحة خاصة) فى هذا الملف، فعلي سبيل المثال وبعد ثبوت أن الملف النفطي تتم إدارته أمريكياً وذلك عقب سماح إدارة الرئيس أوباما للشركات الأمريكية بإجراء التعاقدات والدخول فى هذا المضمار فى دولة جنوب السودان بعد إجراء ما يمكن تسميتها (معالجة فنية) لقرار العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على السودان منذ عقود، فإن من السهل استنتاج أن المكالمة ربما كانت أمريكية سواء من جانب مستشار حكومة جنوب السودان الأمريكي الجنسية (روجر ونتر) والذي تشير العديد من المصادر الى أنه (السفير الحقيقي) لواشنطن هناك منذ سنوات وليس فقط منذ قيام دولة جنوب السودان أو من جانب بعض غلاة المتعصبين فى إدارة الرئيس أوباما فى واشنطن وفى مقدمتهم (سوزان رايس) مندوبة واشنطن فى مجلس الأمن والتي تتوق لفرض حظر طيران واتخاذ إجراءات شديدة القسوة على السودان، إذ ربما كانت رايس تراهن علي إلحاق أكبر قدر من الأذي الاقتصادي بالسودان أملاً في الحصول على تنازلات خاصة بعد أن نجح السودان فى حسم الحركات المتمردة فى ولايتيّ جنوب كردفان والنيل الازرق ولم يعد من الممكن إعادة إشعال هاتين الجبهتين لتشكيل ضغط على الحكومة السودانية. واشنطن تستشعر تحسناً مضطرداً فى الموقف السوداني سواء فى هاتين الولايتين أو فى إقليم دارفور وهى - أى واشنطن - مقبلة على انتخابات رئاسية وشيكة، من الطبيعي أنها تود الاحتفاظ ببعض أوراق اللعبة لديها لحين إنجلاء الموقف واستخدامها فى الوقت المناسب. من الراجح فى هذا المنحي أن واشنطن عازمة على استخدام قيام دولة جنوب السودان كورقة انتخابية تضرب بها عدة عصافير بحجر واحد؛ تشجيع قيام دولة غير إسلامية مقتطعَة من دولة اسلامية، ومحاصرة الدولة الأم ذات الثقافة الإسلامية وتجييرها لصالح الدولة الجنوبية . هنالك ايضاً افتراض آخر وهو أن يكون صاحب المكالمة الهاتفية (مسئول ما) فى الحكومة الإسرائيلية حيث أفادت مصادر مطلعة فى أديس أبابا أن الجانب الإسرائيلي (كان حاضراً داخل العاصمة الاثيوبية، وكان يتابع المحادثات بصفة لصيقة) والسبب فى ذلك ان اسرائيل تخشي أن يقدم الجانب الجنوبي تنازلات للجانب السوداني - بحكم علاقة البلدين - ومن ثم تنقضي الأزمة مبكراً دون أن يُتاح لإسرائيل إدارة مصالحها فيها، وهو افتراض لا يمكن تجاهله أو التقليل منه، ذلك أنه من المفروغ منه أن اسرائيل تدير الشأن الجنوبي بكامله الى درجة أنها تكاد تكون هى المحرك الفعلي للدولة الجنوبية، وهو أمر بوسع أى مراقب يزور جوبا أن يلاحظه بوضوح ودون كبير عناء . وأخيراً، هناك ايضاً أنباء تشير الى أن بعض غلاة المتعصبين فى الحكومة الجنوبية أجروا اتصالاً بالرئيس سلفا كير فى اللحظات الأخيرة للمفاوضات، ومارسوا عليه ضغطاً عنيفاً وصل الى حد التهديد بسحب الثقة عنه إذا وافق على حلحلة ملف النفط بهذه السرعة والسهولة، وهو أمر ايضاً غير مستبعد بعدما تلاحظ حرص حكومة الجنوب على عرض القرار على البرلمان الجنوبي لإعطائه صبغة شرعية تقطع الطريق على الحكومة فى التوصل لحل آخر، ومعلوم أن بعض المتشددين فى حكومة الجنوب أمثال باقان أموم و دينق ألور لديهم (ثأر خاص) ذي طبيعة شخصية تراكمية حيال دولة السودان ومن المؤكد أن الرئيس كير كان حرياً به أن يحسب لهم ألف حساب!