«ينبغي الشروع فورًا في إقامة الحوار البنّاء والمثمر مع القوى السياسية والاجتماعية في الجنوب سوى الحركة الشعبية، وتعزيز الشراكة مع هذه القوى وفق المصالح التي تقوِّي العلاقة».. ما سبق كان جزءًا من مخرجات اجتماع ساخن جدًا لنواب الوطني بالبرلمان، على خلفية الهجوم الأخير للحركة على هجليج، ما دفع البرلمان لتصنيف الجنوب كدولة عدو، وربما كان الحديث عن ضرورة وضع إستراتيجية جديدة للتعامل مع الجنوب ليس بالأمر الجديد فمنذ انفصاله دارت نقاشات كثيرة في هذا الأمر وربما كان خطل تلك النقاشات كما قال لي قيادي بالوطني مفضلاً حجب اسمه تركيزها على أمر عاطفي وهو ضرورة قصر التعامل في الجنوب على الحركة التي تشعر بأن الشمال وتحديدًا الوطني قدّم لها جميلاً بموافقته على انفصال سلس، ويرى مساندو هذا الرأي أن الحركة تعتبر الوطني شريكًا إستراتيجيًا لها في السودان على خلفية توقيع اتفاق «نيفاشا»، وربما كان هذا ما أرسله بعض قادة الحركة لبعض النافذين في الوطني خلال لقاءات كثيرة وربما خلال حوارات دارت بينهما قبل الانفصال وربما تم من خلالها الاتفاق على تبادل السند والدعم كلٌّ للبقاء في كراسي الحكم، إلا أن الحركة وبطبيعتها التي عُرفت عنها عقب مصرع قائدها جون قرنق فقدت البوصلة، وربطت مصالح شعبها بمصالح خارجية، كانت هي تمثل مخلب قط لتنفيذ أجندة تلك الدول. جميع ما سبق محاولة لتبيين الذهنية التي كانت تدير ملف العلاقات مع دولة الجنوب وكانت في الأصل تُسند لمنجزي ملف «نيفاشا» دون غيرهم ما يوحي وكأنهم الأقدر على قراءة العقلية الجنوبية ويملكون المقدرة على تمرير الأجندة السودانية، ولكن الشيء الذي حدث في هجليج قلب الطاولة، وبدأت الأصوات داخل الوطني تشدِّد على ضرورة تبديل من رسموا شكل العلاقة مع الجنوب والتي انتهت إلى مثل هذا الحال.. وكما أسلفنا فإن العدوان ولّد رغبة أكيدة في تبني سياسة وإستراتيجية جديدة تقوم كما قال رئيس الجمهورية ونائبه الأول على مبدأ «العصا» وليس الجزرة، والذي كان يُقدَّم في التعامل مع جوبا، ولعل رؤية كتلة الوطني بالبرلمان وضعت المدماك الأول في ذلك الحائط، تلك الإستراتيجية، بتبني الحوار مع أصدقاء السودان وتقوية الأحزاب الصديقة للبلاد في الجنوب وترك التعامل تمامًا مع الحركة، وهذا ما أيده الخبير الإستراتيجي أحمد المصطفى بضرورة أن تقوم الحكومة بدعم أي جهة تنشط ضد الحركة، مؤكدًا أن الشعب الجنوبي بكامله يشعر بالامتنان للسودان لمنحه الأخير دولة بكامل مواردها، ويعول المصطفى على ضرورة إرسال رسالة قوية للجنوب ولشعبه أن كل مصالحه ترتبط بالسودان، ويدعو لضرورة اللعب على التناقضات الموجودة بالحركة نفسها باعتبار أنها ليست جسمًا واحدًا وأن الصراع يضرب أوصالها، وقال إن النظرية الدائمة في السياسة تركز على المبدأ الميكافيلي، الغاية تبرِّر الوسيلة، «لا يوجد أصدقاء أبديون ولكن توجد مصالح دائمة»، ويشدِّد على ضرورة أن تبعد الحكومة عن التعامل العاطفي مع الجنوب وأن توضع خارطة طريق دائمة وليست مؤقتة، وخارطة الطريق هذه تطرق إليها من قبل النائب الأول للرئيس علي عثمان حين تحدث عن وجود جهة في الدولة تقوم الآن بدراسة كل ما قام به الجنوب تجاه السودان وتعمل على دراسة وتقييم سلوك الحركة وحلفائها لتكون بمثابة خارطة طريق للجميع بشأن التعامل مستقبلاً مع جوبا، وكان هذا المدخل بادرت به لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان من خلال مشروع قانونها لرد العدوان الذي قامت بوضعه تمهيدًا لإجازته وجعله قانونًا محدِّدًا لشكل العلاقة مع الجنوب، وأن تتم محاسبة أي جهة أو الحكومة نفسها إذا ما قامت بتجاوزه مستقبلاً. ولعلّ شكل التعامل مع دولة الجنوب محل اهتمام جهات كثيرة بالدولة، وهذا وضح من خلال نفي تقدم به مستشار الرئيس غازي صلاح الدين في الصحف أمس بعدم وجود علاقة له بلجنة سياسية تقوم بوضع إستراتيجية التعامل المستقبلي مع الجنوب، ولعل نفي غازي جاء عقب تلقيه لمقترحات كثيرة وصفها بالبنّاءة من عدة جهات حول كيفية التعامل مع الجنوب، ولكن يبقى السؤال الذي ينبغي أن تجيب عنه هذه الخطة: هل يتم التعامل باللين مع الجنوب أم تكون هناك سياسة تتسم بالقوة والحجة في تمرير غايات البلاد العليا وأهدافها؟. نقلاً عن صحيفة الإنتباهة السودانية 1/5/2012م